259

Al-Irshād ilā Ṣaḥīḥ al-Iʿtiqād waʾl-radd ʿalā Ahl al-Shirk waʾl-Ilḥād

الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد والرد على أهل الشرك والإلحاد

Publisher

دار ابن الجوزي

Edition

الرابعة ١٤٢٠هـ

Publication Year

١٩٩٩م

Genres

بالرسالة، فإذا أبوا؛ كفت الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث محمد ﷺ بالرحمة إماما للخلق - كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ ١؛ أمسك عنهم العذاب، وأعطى السيف، حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ الإيمان في قلبه، فأملهوا، فمن ثم ظهر أمر النفاق، وكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان، فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا؛ قيض الله لهم فتاني القبر ليسخرجا سرهم بالسؤال.
واحتج أهل هذا القول بقوله ﷺ: "إن هذه الأمة تبتلي في قبولها"، وبقوله: "أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم"، وهذا ظاهر في الاختصاص بهذه الأمة، ويدل عليه قول الملكين: "ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم".
القول الثاني: أن السؤال في القبر لهذه الأمة ولغيرها.
وأجاب أصحاب هذا القول عن أدلة القول الأول بأنها لا تدل على الاختصاص بالسؤال لهذه الأمة دون سائر الأمم، وقوله: "هذه الأمة": أما أن يراد به أمة الناس؛ أي: بني آدم؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ ٢وكل جنس من أجناس الحيوان يسمى أمة، وإن كان المراد أمته ﷺ؛ لم يكن فيه ما ينفي سؤال غيرهم من الأمم؛ لأنه إخبار لهم بأنهم يسألون في قبورهم، وكذلك حديث: "أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم": مجرد إخبار، لا ينفي سؤال غيرهم.
القول الثالث: التوقف في هذه المسألة؛ لأن الأدلة في ذلك محتملة وليست قاطعة في الاختصاص، والله أعلم.
صفة سؤال الملكين للميت على ما وردت به الأحاديث:
جاء في حديث البراء بن عازب ﵁ قوله ﷺ: "فتعاد روحه

سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
٢ سورة الأنعام، الآية: ٣٨.

1 / 271