وقال المأمون: "لا شيء ألذ من السفر في كفاية؛ لأنك كل يوم تحل محلة لم تحلها، وتعاشر قوما لم تعاشرهم". وقال عنترة: "السفر يشد الأبدان، وينشط الكسلان، ويشهي الطعام". وقال ابن رشيق: "كتب إلى بعض إخواني: مثل الرجل القاعد - أعزك الله - كمثل الماء الراكد إن ترك تغير، وإن ترك تكدر، ومثل المسافر كالسحاب الماطر، هؤلاء يدعونه رحمة، وهؤلاء يدعونه نقمة، فإذا اتصلت أيامه ثقل مقامه وكثر لوامه، فأجمع لنفسك فرحة الغيبة، وفرحة الأوبة. والسلام".
وقالت الحكماء: "لا تدرك الراحة إلا بالتعب، ولا الرغبة إلا بالنصب".
وقال ابن شرف القيرواني:
وصير الأرض دارا والورى رحلا ... حتى ترى مقبلا في الناس مقبولا
ولهذه الفوائد أو بعضها أكثر الناس من الأسفار حتى قيل:
كريشة بمهب الريح ساقطة ... لا تستقر على حال من القلق
وفيه قول أبي الطيب:
يخيل لي أن البلاد مسامع ... وأني فيها ما يقول العواذل
معناه: أن العاذل ما له كلمة مستقرة في أذن المحب.
وقال ابن اللبان:
كأنما الأرض عني غير راضية ... فليس لي وطن فيها ولا وطر
ويقول الشهاب المناري:
إن عشت عشت بلا أهل ولا وطن ... وإن قضيت فلا قبر ولا كفن
أظن قبري بطون الوحش ترحل بي ... بعد الممات، ففي الحالين لي ظعن
فصل
* وللسفر فوائد غزيرة غير ما سبق:
Page 15