أغز مع غير قومك يحسن خلقك" (¬4). ذكره السهيلي في "الروض". قال: وقال في "الإذكار" في كتاب (فوائد الأخيار) معنى هذا: أن الرجل إذا غزا مع غير قومه يتحفظ ولم يسترسل، وتكلف من رياضة نفسه مالا يتكلفه في صحبة من يثق باحتماله، لنظرهم غليه بعين الرضا ونصحه إذلاله. فلذلك يحسن خلقه لرياضة نفسه على الغير، والاحتمال. قال السهيلي: وهو أحسن من التأويل. غير أن الحديث مختلف في لفظه، فقد ورد فيه: "سافر مع قومك". وذكر الروايتين أبو عمر في حمواته ويستحب أن يرافق جماعة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده". رواه البخاري (¬1). كذا احتج به النووي. وفيه نظر من جهة أنه خاص بالليل، والمسالة عامة في سفر الليل والنهار.
وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الواحد شيطانا (¬2) مجازا؛ لأنه صاحب الشيطان فحذف المضاف. فإن قيل: قد اشتهر عن خلائق أنها تستحب الوحدة في السفر؟! فأجاب: "أن الوحدة إنما تكره لمن يستأنس بالناس، فيخاف عليه بالانفراد، الضرر من الشياطين ونحوهم". أما الصالحون فأنهم استأنسوا بالله، واستوحشوا من الخلق في كثير من أوقاتهم فلا ضرر عليهم في الوحدة بل مصلحة، وراحة لهم.
ثم ينبغي أن يسير مع الناس ولا ينفرد بطريق، ولا ركب، يباين الطريق، فأنه يخاف الآفات من ذلك.
الباب الثالث
في الآداب المتعلقة بالسفر:
Page 49