Ghidhaʾ al-albāb fī sharḥ manẓūmat al-ādāb
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب
Publisher
مؤسسة قرطبة
Edition Number
الثانية
Publication Year
1414 AH
Publisher Location
مصر
Genres
Sufism
وَقَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ فِي قَوْلِ بَكْرٍ الْمُزَنِيّ: مَا فَاقَ أَبُو بَكْرٍ ﵁ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ بِصَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَكِنْ بِشَيْءٍ كَانَ فِي قَلْبِهِ. قَالَ الَّذِي كَانَ فِي قَلْبِهِ الْحُبُّ لِلَّهِ ﷿ وَالنَّصِيحَةُ فِي خَلْقِهِ. وَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ «مَا فَضَلَ أَبُو بَكْرٍ بِفَضْلِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قَلْبِهِ» ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ. قَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا، وَهُوَ عِنْدَ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ فِي النَّوَادِرِ مِنْ كَلَامِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ.
وَفِي لَفْظٍ: مَا فَاتَكُمْ أَوْ فَضَلَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثِيرِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَرْفُوعًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: مَا أَدْرَكَ عِنْدَنَا مَنْ أَدْرَكَ بِكَثْرَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَإِنَّمَا أَدْرَكَ عِنْدَنَا بِسَخَاءِ الْأَنْفُسِ وَسَلَامَةِ الصُّدُورِ وَالنُّصْحِ لِلْأُمَّةِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: كَانَ يُقَالُ: أَنْصَحُ النَّاسِ لَك مَنْ خَافَ اللَّهَ فِيك.
فَلِهَذِهِ الْآثَارِ وَأَمْثَالِهَا بَذَلَ النَّاظِمُ نُصْحَهُ عَلَى قَبُولِهِ بِمَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ مِنْ كَوْنِ النُّصْحِ صَادِرًا (مِنْ) أَخٍ (شَفِيقٍ) مُتَعَلِّقٌ بِنُصْحًا أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِيَقْبَلُ، أَيْ يَقْبَلُ مِنْ شَفِيقٍ، وَالشَّفِيقُ ذُو الشَّفَقَةِ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْوَرَى كَفَتًى الْخَلْقُ (حَرِيصٍ عَلَى زَجْرِ) أَيْ مَنْعِ (الْأَنَامِ) كَسَحَابٍ وَبِالْمَدِّ وَالْأَنِيمُ كَأَمِيرٍ الْخَلْقُ أَوْ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ أَوْ جَمِيعُ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ (عَنْ) الْفِعْلِ (الرَّدِي) مُتَعَلِّقٌ بِزَجْرِ وَالْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الرَّدِي الْحَرَامُ أَوْ مَا يَعُمُّ الْمَكْرُوهَ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ هُوَ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ، وَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ. وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨] .
مَطْلَبٌ: يُرَادُ لِلْعَالِمِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ
وَلِذَا قِيلَ: يُرَادُ لِلْعَالِمِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ: الْخَشْيَةُ، وَالنَّصِيحَةُ، وَالشَّفَقَةُ، وَالِاحْتِمَالُ، وَالصَّبْرُ، وَالْحِلْمُ، وَالتَّوَاضُعُ، وَالْعِفَّةُ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالدَّوَامُ عَلَى النَّظَرِ فِي الْكُتُبِ، وَتَرْكُ الْحِجَابِ. بَلْ يَكُونُ بَابُهُ لِلشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ.
وَلِذَا قِيلَ: إذَا مُنِعَ الْعِلْمُ عَنْ الْعَامَّةِ لَمْ تَنْتَفِعْ بِهِ الْخَاصَّةُ. وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ النَّاظِمَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ هُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالشَّفِيقِ النَّبِيَّ ﷺ لِأَنَّهُ مَادَّةُ كَلَامِهِ وَأُسُّ نِظَامِهِ.
1 / 48