172

Ghidhaʾ al-albāb fī sharḥ manẓūmat al-ādāb

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Publisher

مؤسسة قرطبة

Edition

الثانية

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

مصر

Genres

Sufism
وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: مَرَّ بِنَا أَبُو لُبَابَةَ فَأَتْبَعْنَاهُ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ فَدَخَلْنَاهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ فَقُلْت لِابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْت إنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ؟ قَالَ يُحَسِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَالْمَرْفُوعُ مِنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ ﵁ قَالَ «سَمِعْت النَّبِيَّ ﷺ قَرَأَ بِالْعِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَمَا سَمِعْت أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ» . فَالْعُلَمَاءُ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلِهَا مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ بِالتَّمْطِيطِ فَإِنْ أَفْرَطَ حَتَّى زَادَ حَرْفًا أَوْ أَخْفَاهُ حَرُمَ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَهِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ خَلَتْ عَنْ التَّمْطِيطِ وَإِبْدَالِ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا. فَالْمَذْهَبُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا.
وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّاظِمِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَقَدْ يُقَالُ التَّمْطِيطُ الْمُتَكَلَّفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى التَّعَسُّفِ وَالتَّشَدُّقِ وَتَلَوُّقِ الْفَمِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ حُرُوفٌ لِإِخْرَاجِ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَالْقَانُونِ الْعَرَبِيِّ إلَى التَّعَوُّجِ وَالتَّشَدُّقِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨] وَمَتَى خَلَتْ عَنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَلَا كَرَاهَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي (التِّبْيَانِ) عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَا تَمْطِيطَ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ حُرُوفٌ لِأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ اللَّحْنُ عَنْ لَفْظِهِ وَقَرَأَهُ عَلَى تَرْتِيلِهِ كَانَ أَيْ التَّلْحِينُ مُبَاحًا.
وَقَالَ قَبْلَ هَذَا: وَأَمَّا الْقُرْآنُ بِالْأَلْحَانِ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي مَوَاضِعَ أَكْرَهُهَا، وَقَالَ فِي مَوَاضِعَ لَا أَكْرَهُهَا.
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنَّ أَفْرَطَ فِي التَّمْطِيطِ فَجَاوَزَ الْحَدَّ فَهُوَ الَّذِي كَرِهَهُ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَكْرَهْهُ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ الْمَوْضُوعَةِ إنْ أَخْرَجَتْ لَفْظَ الْقُرْآنِ عَنْ صِيغَتِهِ بِإِدْخَالِ حَرَكَاتٍ فِيهِ أَوْ إخْرَاجِ حَرَكَاتٍ عَنْهُ أَوْ قَصَرَ مَمْدُودًا أَوْ مَدَّ مَقْصُورًا، وَتَمْطِيطٍ يَخْفَى بِهِ بَعْضُ اللَّفْظِ وَيَلْتَبِسُ الْمَعْنَى فَهُوَ حَرَامٌ يَفْسُقُ بِهِ الْقَارِئُ وَيَأْثَمُ بِهِ الْمُسْتَمِعُ، لِأَنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ نَهْجِهِ

1 / 179