آتِي فِي ابْتِدَاءِ كَلَامِي، أَيْ رَوْمُ ابْتِدَائِي كَائِنٌ بِحَمْدِك، أَوْ مَوْصُولُ اسْمِي، أَيْ الَّذِي رُمْت ابْتِدَاءَهُ كَائِنٌ بِحَمْدِك. فَبِحَمْدِك مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَرَوْمُ ابْتِدَائِي مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، يُقَالُ ابْتَدَأَ الشَّيْءَ فَعَلَهُ ابْتِدَاءً كَأَبْدَاهُ وَابْتَدَاهُ، (كَثِيرًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ أَبْتَدِي بِحَمْدِك حَمْدًا كَثِيرًا (كَمَا) أَيْ كَاَلَّذِي (تَرْضَاهُ) يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (بِغَيْرِ تَحَدُّدِ) بَلْ مُطْلَقٌ عَنْ التَّحْدِيدِ وَالتَّقْيِيدِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ وَلَوْ أَفْنَى عُمْرَهُ فِي الثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ جَلَّ شَأْنُهُ مَا أَدَّى عُشْرَ مِعْشَارِ مَا لَهُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ لِعَظِيمِ لُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ يَرْضَى مِنْ عِبَادِهِ بِالْيَسِيرِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ.
(وَفِي) السُّنَنِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ﵁ قَالَ: «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَعَطَسْت فَقُلْت: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ انْصَرَفَ فَقَالَ: مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ: مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: كَيْفَ قُلْت؟ قَالَ: قُلْت الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى. فَقَالَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ «عَطَسَ شَابٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا وَبَعْدَ مَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ؟ فَسَكَتَ الشَّابُّ، ثُمَّ قَالَ مَنْ الْقَائِلُ الْكَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا قُلْتُهَا لَمْ أُرِدْ بِهَا إلَّا خَيْرًا.
قَالَ: مَا تَنَاهَتْ دُونَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ جَلَّ ذِكْرُهُ» .
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ﵁ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ ﵁ قَالَ «صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ رَجُلٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ الْقَائِلُ؟ قَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا أَرَدْت إلَّا خَيْرًا، فَقَالَ: لَقَدْ فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَلَمْ يَنْهَهَا شَيْءٌ دُونَ الْعَرْشِ» .
1 / 19