بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة الْمُؤلف
الْحَمد لله الَّذِي بعث رَسُوله مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ بشيرا وَنَذِيرا وداعيا إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ وسراجا منيرا فَأخْرج بِهِ من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَهدى بِهِ خلقا كثيرا ﷺ وعَلى آله وَصَحبه وَسلم متواليا مُتَّصِلا اتِّصَالًا كَبِيرا متأرجا عطرا نافحا مسكا شاذيا عبيرا
وَبعد فَيَقُول العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الحفي عبد الباسط الْحَنَفِيّ غفر الله تَعَالَى لَهُ ذنُوبه وَستر عَلَيْهِ عيوبه
هَذِه رِسَالَة شريفة وتحفة منيفة تشْتَمل على نبذة مختصرة من سيرة نَبينَا مُحَمَّد سيد الْأَوَّلين والآخرين ﷺ وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين سميتها بغاية السؤل فِي سيرة الرَّسُول جمعتها على طَريقَة الإختصار نزهة لِذَوي الْأَلْبَاب والأبصار وَبِاللَّهِ تَعَالَى فِي ترتيبها وَجَمعهَا أستعين وَعَلِيهِ سُبْحَانَهُ أتوكل وَهُوَ الْمعِين
1 / 23
الْفَصْل الأول
ذكر نسبه ﷺ
أعلم أيدك الله تَعَالَى وحماك وبعين كنفه وَحفظه وعنايته وكلاءته رعاك أَن نسب رَسُول الله ﷺ وَشرف وكرم أشرف الْأَنْسَاب وأفخره بَين الْأَعْرَاب وَهُوَ مِنْهُ ﷺ إِلَى عدنان النّسَب الْمُتَّفق عَلَيْهِ فَلَا خلاف فِيهِ بَين عُلَمَاء النّسَب وَأما من عدنان إِلَى آدم فقد اخْتلف فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا
وَنحن نذْكر النّسَب إِلَى عدنان وَمِنْه إِلَى آدم ﵇ مُتَّصِلا ونتكلم على مَا فِيهِ وَفِي أَسْمَائِهِ بِخِلَاف مَا اشْتهر من الْكَلَام فَنَقُول
هُوَ ﷺ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة ابْن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشخب بن نابت بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن بن آزر بن ناحور بن شاروخ بن راعو بن فالج بن عيبر بن شالخ بن أرفخشذ بن سَام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ بن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شِيث بن آدم ﵇
1 / 25
وَأعلم أَن فِي هَذِه الْأَسْمَاء الْمَذْكُورَة مَا شهر بِمَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لقب وَالِاسْم غَيره فعبد الْمطلب اسْمه شيبَة الْحَمد وهَاشِم اسْمه عَمْرو وَعبد منَاف اسْمه الْمُغيرَة وقصى اسْمه زيد وَيُسمى جمعا أَيْضا ومدركة اسْمه عَامر وإلياس اسْمه حُسَيْن وآزر أَبُو إِبْرَاهِيم واسْمه تارح وشالخ يُقَال إِنَّه نَبِي الله هود ﵇ وخنوخ هُوَ إِدْرِيس ﵇ وَهُوَ أول من خطّ بالقلم وَأعْطى النُّبُوَّة
وَقد قَالَ رَسُول الله ﷺ (لَا تجاوزوا معد بن عدنان كذب النسابون)
فَفِيهِ دَلِيل على أَن النّسَب إِلَى عدنان هُوَ الْمُتَّفق عَلَيْهِ
1 / 26
الْفَصْل الثَّانِي
ذكر أمه ﷺ
هِيَ آمِنَة بنت وهب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب بن مرّة هُنَا تَجْتَمِع مَعَ النَّبِي ﷺ
مَاتَت فِي نفَاسهَا بِهِ ﷺ وَقيل غير ذَلِك
وَذكر السُّهيْلي فِي كِتَابه الرَّوْض الْأنف أَن الله تَعَالَى أَحْيَا لَهُ والدته ووالده فَأَسْلمَا على يَدَيْهِ ثمَّ مَاتَا
وَمن الْعلمَاء من قَالَ إنَّهُمَا مَاتَا فِي زمن الفترة وَأَمرهمَا إِلَى الله تَعَالَى وَالْأول لَيْسَ بِكَثِير من معجزاته ﵇
1 / 27
الْفَصْل الثَّالِث
ذكر أَعْمَامه
ﷺ
كَانُوا تِسْعَة فِي الْعدَد وهم
أَبُو طَالب وَكَانَ اسْمه عبد منَاف وَهُوَ وَالِد عَليّ كرم الله وَجهه
وَالزُّبَيْر وَكَانَ يكنى بِأبي طَاهِر
وَكَانَا شقيقا وَالِده عبد الله وَأَبُو الْفضل الْعَبَّاس
وَحَمْزَة أَبُو يعلى وَهُوَ أَخُو النَّبِي ﷺ من الرَّضَاع كَانَت أرضعتهما أمة لأبي لَهب تسمى ثويبة
والْحَارث
وحجل وَكَانَ يلقب الغيداق لِكَثْرَة مَا كَانَ يَفْعَله من الْخَيْر
والمقوم وَهُوَ شَقِيق حَمْزَة
وَضِرَار وَهُوَ شَقِيق الْعَبَّاس
وَأَبُو لَهب وَكَانَ اسْمه عبد الْعزي وَهُوَ شَقِيق حجل وَكَانَ يعادي النَّبِي ﷺ فَأنْزل الله تَعَالَى فِي حَقه ﴿تبت يدا أبي لَهب﴾
وَهَؤُلَاء أَعْمَامه من الرِّجَال ﷺ
1 / 28
الْفَصْل الرَّابِع
ذكر عماته من النِّسَاء ﷺ
كن سِتا
أم حَكِيم
وعاتكة تزوج ﷺ بابنتها أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة
وَأُمَيْمَة وَتزَوج أَيْضا بابنتها زَيْنَب بنت جحش
وأروي
وبرة
وَهَؤُلَاء الْخمس شقيقات أَبِيه
وَصفِيَّة وَهِي أم الزبير بن الْعَوام وَكَانَت قد أسلمت وَهِي شَقِيقَة حَمْزَة ﵄
1 / 29
الْفَصْل الْخَامِس
ذكر مولده وأحواله بِمَكَّة المشرفة ﷺ
ولد ﷺ بِمَكَّة فِي لَيْلَة الِاثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ ثَانِي عشر ربيع الأول فِي عَام الْفِيل بعد قدوم أَبْرَهَة بالفيل بسبعة وَخمسين يَوْمًا
وَذكر أَصْحَاب النجامة من أهل الزيج أَنه ﷺ ولد لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول بعد قدوم الْفِيل بِخَمْسِينَ لَيْلَة ووافقت لَيْلَة مولده الْيَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين من نيسان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَثَمَانمِائَة للإسكندر ذِي القرنين
وَزَعَمُوا أَن الطالع كَانَ حِينَئِذٍ عشْرين دَرَجَة من برج الجدي وَكَانَ المُشْتَرِي وزحل فِي ثَلَاث دَرَجَات من الْعَقْرَب مقترنين وَهِي دَرَجَة وسط الشتَاء وَتَكَلَّمُوا على أَحْكَام هَذَا الطالع بِكَلَام كثير لَيْسَ هَذَا محلا لبيانه
وَمَات أَبوهُ ﷺ وَهُوَ بِبَطن أمه وَقيل مَاتَ وَهُوَ ابْن شَهْرَيْن وَقيل أَرْبَعَة وَقيل سنة وَنصفا وَقيل زِيَادَة على سنتَيْن
1 / 30
وَكَانَ شَابًّا حِين مَاتَ بلغ من السن خمْسا وَعشْرين سنة وَكَانَ يكنى أَبَا أَحْمد
وَهُوَ الذَّبِيح الَّذِي نذر عبد الْمطلب ذبحه ثمَّ فدَاه بِمِائَة من الْإِبِل فَكَانَت الدِّيَة فِي شرع وَلَده ﵇
وَلِهَذَا كَانَ يُقَال لَهُ ابْن الذبيحين
وَمَاتَتْ أمه وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين وَقيل سِتّ سِنِين وَكَانَت مَضَت بِهِ إِلَى أَخْوَاله بِالْمَدِينَةِ لتزورهم وعادت بِهِ إِلَى مَكَّة فَمَاتَتْ بالأبواء وَهِي رَاجِعَة
وَكَانَت قد استرضعت لَهُ بعد مولده ﷺ حليمة ابْنة أبي ذُؤَيْب السعدية وَبَقِي عِنْدهَا خمس سِنِين وَرَأَتْ من بركاته شَيْئا كثيرا وَعِنْدهَا شقّ صَدره وملىء إِيمَانًا وَحِكْمَة
وحضنته أم أَيمن بركَة الحبشية وَكَانَ قد ورثهَا عَن أَبِيه فَلَمَّا كبر أعْتقهَا وَزوجهَا
وكفله جده عبد الْمطلب وَمَات وَله من الْعُمر مائَة وَعشر سِنِين وَكَانَ عمر النَّبِي ﷺ ثَمَان سِنِين فَكَفَلَهُ بعده عَمه أَبُو طَالب
وَقرن بِهِ حِينَئِذٍ اسرافيل إِلَى أَن بلغ اثْنَتَيْ عشرَة سنة
وَخرج بِهِ عَمه إِلَى الشَّام وَجَرت نَوَادِر تشهد برسالته
وَقرن بِهِ جِبْرِيل تسعا وَعشْرين سنة
ثمَّ خرج إِلَى الشَّام مرّة ثَانِيَة مَعَ غُلَام لِخَدِيجَة يُقَال لَهُ ميسرَة ليتجر لَهَا
1 / 31
فَكَانَ ميسرَة يَقُول رَأَيْته إِذا اشْتَدَّ الْحر نزل ملكان يظلانه ثمَّ لما عَاد من سفرته تزوج بخديجة بنت خويلد وَكَانَ سنه خمْسا وَعشْرين سنة تزيد شَيْئا وَكَانَ سنّهَا أَرْبَعِينَ سنة
وَلما بلغ خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة شهد بُنيان الْكَعْبَة ورضيت قُرَيْش بِحكمِهِ وَوضع الْحجر الْأسود بِيَدِهِ
وَلما أكمل الْأَرْبَعين ابتعثه الله تَعَالَى برسالته إِلَى كَافَّة النَّاس بشيرا وَنَذِيرا
ظهر لَهُ جِبْرِيل ﵇ بِغَار حراء فِي شهر ربيع الأول وَقيل فِي رَمَضَان بنمط من ديباج فِيهِ خمس آيَات من سُورَة الْقَلَم وَقَالَ لَهُ ﴿اقْرَأ﴾ ثَلَاث مَرَّات ويغطه ثمَّ فِي الثَّالِثَة قَالَ ﴿اقْرَأ باسم رَبك الَّذِي خلق﴾ إِلَى قَوْله ﴿علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم﴾
وَكَانَ أول من آمن بِهِ زوجه خَدِيجَة من النِّسَاء وَعلي بن أبي طَالب من الصّبيان وَأَبُو بكر الصّديق من الرِّجَال وَزيد بن حَارِثَة من الموَالِي ثمَّ أسلم عُثْمَان بن عَفَّان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص ثمَّ أسلم بعد هَؤُلَاءِ أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح
وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء إِن أَبَا بكر ﵁ أول النَّاس إسلاما
وَأقَام ﷺ ثَلَاث سِنِين وَهُوَ يخفي أمره حَتَّى أمره الله تَعَالَى بإظهاره
1 / 32
وَهَاجَر الْمُسلمُونَ إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي السّنة الْخَامِسَة من مبعثه من كَثْرَة أَذَى الْكفَّار من قُرَيْش
وَقدم عَلَيْهِ جن نَصِيبين فأسلموا وَله خَمْسُونَ سنة
وَمَاتَتْ خَدِيجَة بعد عشر سِنِين من المبعث وَكَذَا عَمه أَبُو طَالب
وَأسرى بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ ركب الْبراق وعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء ثمَّ ارْتَفع حَتَّى دنا من ربه فَتَدَلَّى وَرَأى ربه جلّ وَعلا وَشَاهد عجائب الملكوت وفرضت الصَّلَاة فِي لَيْلَة الْمِعْرَاج
1 / 33
الْفَصْل السَّادِس
ذكر هجرته من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﷺ
لما بلغ من الْعُمر ثَلَاثًا وَخمسين سنة هَاجر إِلَى الْمَدِينَة بعد أَن وافاه جمَاعَة من الْأَوْس والخزرج وَبَايَعُوهُ وشاع ذكره بِالْمَدِينَةِ وذاع وَلم يبْق بهَا دَار إِلَّا وَكَانَ فِيهَا ذكره ﷺ وترددوا إِلَيْهِ مرّة بعد الْمرة وكرة بعد الكرة ثمَّ بَايعُوهُ على الْإِسْلَام وعَلى نصرته وعَلى الْحَرْب
وَكَانَت هجرته من مَكَّة فِي نصف النَّهَار من يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول ودخلها يَوْم الِاثْنَيْنِ نصف النَّهَار لِاثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الْمَذْكُور وَنزل بقباء على كُلْثُوم بن الْهدم فَأَقَامَ إِلَى يَوْم الْجُمُعَة وَصلى الْجُمُعَة فِي بني سَالم وَسَار وَمَعَهُ أَبُو بكر الصّديق وعامر بن فهير مولى أبي بكر وَعبد الله بن أريقط حَتَّى بَركت نَاقَته على بَاب الْمَسْجِد مَسْجده الْيَوْم وَكَانَ مربدا ليتيمين كَانَا فِي حجر معَاذ بن عفراء فَاشْتَرَاهُ وَأَخُوهُ معوذ بن عفراء وجعلاه للْمُسلمين وَأقَام ﷺ نازلا على أبي أَيُّوب خَالِد بن زيد حَتَّى بنى الْمَسْجِد والمساكن
1 / 34
فتحول ﷺ إِلَى مساكنه
ثمَّ لحق بِهِ عَليّ بن أبي طَالب ﵁ وَكَانَ تَأَخّر بِمَكَّة لرد مَا كَانَ عِنْده من ودائع النَّاس
وأتمت صَلَاة الْحَضَر بعد شهر وتحولت الْقبْلَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى الْكَعْبَة فِي رَجَب وَقيل شعْبَان بعد سَبْعَة عشر شهرا
وَفرض الصَّوْم زَكَاة الْفطر بعد سنة من الْهِجْرَة وَسَبْعَة أشهر
وَبعد أَربع سِنِين حرمت الْخمر
وَفِي هَذِه السّنة فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع نزلت صَلَاة الْخَوْف وَقيل فِي سنة خمس
وَفِي السّنة السَّادِسَة فرض الْحَج
وفيهَا كَانَ الإستسقاء
وَفِي سنة سبع وَقيل ثَمَان كَانَ اتِّخَاذ الْمِنْبَر وَكَانَ دَرَجَتَيْنِ وبسطة وَزَاد فِيهِ مُعَاوِيَة لما ولي سِتّ دَرَجَات
1 / 35
الْفَصْل السَّابِع
ذكر غَزَوَاته وبعوثه ﷺ
لم يزل ﷺ قَائِما فِي الله تَعَالَى مُجْتَهدا فِي نصْرَة دينه مُجَاهدًا فِي سَبيله ناصرا لِلْإِسْلَامِ من حِين أذن الله تَعَالَى لَهُ بمجاهدة الْكفَّار إِلَى أَن فَارق الدُّنْيَا نَحوا من ثَلَاث وَعشْرين سنة فَكَانَت جملَة غَزَوَاته فِي هَذِه الْمدَّة خمْسا وَعشْرين غزَاة وَقيل سبعا وَعشْرين حضر مِنْهَا وَقَاتل بِنَفسِهِ ﵇ فِي سبع وَهِي
غَزْوَة الخَنْدَق وَبدر وَأحد وَبني قُرَيْظَة وَبني المصطلق وحنين والطائف
وَقيل قَاتل أَيْضا بوادي الْقرى والغابة وَبني النَّضِير وَله ﷺ ولأصحابه رضوَان الله عَلَيْهِم فِي هَذِه الْغَزَوَات ومشاهدها الحكايات النادرة الغريبة العجيبة والأيادي الْبَيْضَاء بِمَا يطول الشَّرْح فِي ذكر ذَلِك وَبَيَانه
وَأما بعوثه وسراياه إِلَى النواحي والجهات فَكَانَت نَحوا من خمسين نصر الله تَعَالَى فِيهَا الْإِسْلَام وَفتحت فِيهَا الفتوحات وَكَانَت مَوَاقِف مَشْهُودَة ببركته ﷺ
1 / 36
الْفَصْل الثَّامِن
ذكر حجه وعمره ﷺ
حج ﷺ قبل أَن يفْرض الْحَج مرَّتَيْنِ وَبعد أَن فرض مرّة وَاحِدَة وَهِي الَّتِي تعرف بِحجَّة الْوَدَاع
خرج ﷺ فِي حجَّته هَذِه نَهَارا بعد أَن اغْتسل وترجل وأدهن وتطيب فَبَاتَ بِذِي الحليفة وَقَالَ (أَتَانِي آتٍ من رَبِّي اللَّيْلَة فَقَالَ صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك وَقل لبيْك عمْرَة فِي حجَّة) فَأحْرم بهما قَارنا وَدخل مَكَّة فِي بكرَة الْأَحَد من كداء من الثَّنية الْعليا وأتى بِجَمِيعِ أَفعَال الْحَج فَلَمَّا فرغ توجه إِلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة وَمَات من عَامه ذَلِك
وَأما عمره ﷺ فَكَانَت أَربع كلهَا فِي ذِي ال الْقعدَة
1 / 37
الْفَصْل التَّاسِع
ذكر أَوْصَافه ﷺ
كَانَ ربع الْقَامَة بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ أَزْهَر اللَّوْن مشربا بحمرة يطول الطَّوِيل إِذا مَا شاه وَإِذا مَشى مَعَ الْقصير ساواه وَاسع الجبين أَزجّ الحاجبين أَبْلَج أقنى الْأنف كثيف اللِّحْيَة بارز العنفقة سهل الْخَدين شثن الْكَفَّيْنِ يبلغ شعره شحمة أُذُنَيْهِ شَيْبه حول ذقنه مفلج الْأَسْنَان شَدِيد سَواد الحدقة ظَاهر الْوَضَاءَة يتلألأ وَجهه نورا كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر حسن الْخلق معتدله دَقِيق المسربة شثن الْقَدَمَيْنِ أجمل النَّاس وأبهاهم وَأَحْسَنهمْ وأحلاهم حُلْو الْمنطق أفْصح الْأَنَام لِسَانا وَأَقْوَاهُمْ جأشا وجنانا
وَكَانَ خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ وَفِي كيفيته اخْتِلَاف
وَجُمْلَة القَوْل فِيهِ ﷺ أَنه أكمل الْعَالم وأجمله وَأحسنه خلقا وخلقا ﷺ
1 / 38
الْفَصْل الْعَاشِر
ذكر أَسْمَائِهِ ﷺ
قَالَ ﷺ (أَنا مُحَمَّد وَأحمد وَأَنا الماحي وَأَنا الحاشر وَأَنا المقفى وَنَبِي التَّوْبَة وَنَبِي الرَّحْمَة وَنَبِي الملحمة)
وَأعلم أيدك الله تَعَالَى أَن كَثْرَة الْأَسْمَاء تدل على شرف الْمُسَمّى
قَالَ بعض الْعلمَاء للنَّبِي ﷺ ألف اسْم وَمِنْهَا
طه
وَيس
والمزمل
والمدثر
والسراج الْمُنِير
والبشير
والنذير
والداعي
وَعبد الله
وَغير ذَلِك من الْأَسْمَاء وَله فِي التَّوْرَاة أَيْضا وَفِي الْإِنْجِيل أَسمَاء بالعبرانية والسريانية تدل على شرفه ﷺ
1 / 39
الْفَصْل الْحَادِي عشر
ذكر أخلاقه ﷺ
كَانَ ﷺ خلقه الْقُرْآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه وَكَانَ لَا يغْضب لنَفسِهِ قطّ وَلَا ينْتَقم لَهَا فَإِن انتهكت حرمات الله تَعَالَى انتقم لله وَإِذا غضب لم يقم أحد لغضبه
أسخى النَّاس وأجودهم مَا قَالَ لمن سَأَلَهُ شَيْئا لَا قطّ
أصدق النَّاس لهجة وأوفاهم ذمَّة وألينهم عَرِيكَة وأحلمهم وَأَكْثَرهم حَيَاء حَافظ الطّرف نظره إِلَى الأَرْض أَكثر من نظره إِلَى السَّمَاء متواضعا رحِيما مشفقا عفيفا متفقدا لأَصْحَابه كثير التودد إِلَيْهِم مكرما لَهُم يقبل معذرة من اعتذر إِلَيْهِ الْقوي والضعيف عِنْده فِي الْحق سَوَاء لَا يترفع على أحد من الْخلق وَكَانَ لَا يجلس وَلَا يقوم إِلَّا على ذكر
وَكَانَ ﷺ يجلس حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمجْلس وَكَانَ يعْفُو ويصفح وَيعود المرضى وَيشْهد الْجَنَائِز وَيُحب الْمَسَاكِين وَلَا يحقر فَقِيرا لفقره وَلَا يهاب ملكا لملكه يعظم النِّعْمَة وَإِن قلت مَا عَابَ طَعَاما قطّ
يحفظ الْجَار وَيكرم الضَّيْف
ويخصف نَعله ويرقع ثَوْبه بِيَدِهِ وَركب الْفرس والبغل وَالْحمار وَلم يكن متكبرا وَلَا متجبرا يردف خَلفه عَبده أَو غَيره
وَكَانَ أَكثر جُلُوسه إِلَى الْقبْلَة يُطِيل صلَاته وَيقصر خطبَته كثير
1 / 40
الإستغفار فِي آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار يَصُوم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَالْأَيَّام الْبيض وَيَوْم الْجُمُعَة غَالِبا وعاشوراء وَكَانَ كثير الصَّوْم فِي شعْبَان وَصَامَ محرما كَامِلا تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه
يقبل الْهَدِيَّة ويكافىء عَلَيْهَا
وَكَانَ لَا يتأنق فِي مأكل وَلَا مشرب قَلِيل الْأكل يخْتَار الْجُوع على الشِّبَع ويعصب على بَطْنه الْحجر من الْجُوع وآتاه الله تَعَالَى مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض وكنوزها وَصَارَت الْجبَال ذَهَبا وَسَأَلته أَن يقبلهَا فينفقها فِي سَبِيل الله فَامْتنعَ من ذَلِك وَاخْتَارَ مَا عِنْد الله تَعَالَى وَالدَّار الْآخِرَة وَكَانَ يحقر الدُّنْيَا ويعظم الْآخِرَة
وَكَانَ يحب الطّيب وَيكرهُ الرَّائِحَة الخبيثة الكريهة وَيُحب التَّيَامُن فِي جَمِيع شؤونه
وَكَانَ فِي سَفَره لَا يُفَارق الدّهن والمكحلة والمرآة والمشط والسواك والمقراض وَالْخَيْط والإبرة
وَكَانَ يمزح فِي بعض الأحيان وَلَا يَقُول إِلَّا حَقًا
وَله أَخْلَاق حسان لَا تعد وَلَا تحد وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان
1 / 41
الْفَصْل الثَّانِي عشر
ذكر زَوْجَاته ﷺ
مَاتَ ﷺ عَن تسع وَهُوَ من خصوصياته ﷺ وَهن
عَائِشَة ابْنة أبي بكر الصّديق
وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب
وَسَوْدَة بنت زَمعَة
وَأم حَبِيبَة وَاسْمهَا رَملَة بنت أبي سُفْيَان أُخْت مُعَاوِيَة
وَأم سَلمَة هِنْد بنت أبي أُميَّة
وَزَيْنَب بنت جحش
وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث
ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث
وَصفِيَّة بنت حييّ
هَؤُلَاءِ التسع اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُن ﷺ
وَأما غَيْرهنَّ فخديجة ﵂ مَاتَت قبله
وَتزَوج ﷺ جمَاعَة من النِّسَاء غير من ذكرنَا فمنهن من مَاتَ قبله ومنهن من طَلقهَا ومنهن من عقد عَلَيْهَا وَطَلقهَا قبل الدُّخُول ومنهن من خطبهَا وَلم يعْقد عَلَيْهَا وَهن
1 / 42
زَيْنَب بنت خُزَيْمَة وَمَاتَتْ بعد شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة من حِين عقد عَلَيْهَا
وَفَاطِمَة بنت الضَّحَّاك وَخَيرهَا فَاخْتَارَتْ الدُّنْيَا ففارقها وَلم تنَلْ طائلا
وَتزَوج شراف أُخْت دحْيَة الْكَلْبِيّ
وَخَوْلَة بنت الْهُذيْل
وَأَسْمَاء بنت كَعْب الْجَوْنِية
وَعمرَة بنت يزِيد
والعالية بنت ظبْيَان
ومليكة الليثية وَمَا خطب أَربع
فجملة من خطبهَا وَتَزَوجهَا أَيْضا ثَلَاث وَعِشْرُونَ امْرَأَة
1 / 43