Ghayat Maram
غاية المرام
Investigator
حسن محمود عبد اللطيف
Publisher
المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
Publisher Location
القاهرة
Genres
Creeds and Sects
وَأما القَوْل بِأَنَّهُ إِذا جَازَ وجود مَأْمُور وَلَا أَمر جَازَ وجود أَمر لَا مَأْمُور فَهَذَا إِنَّمَا يتَحَقَّق أَن لَو صَحَّ وجود مَأْمُور وَلَا أَمر والخصم رُبمَا لَا يسلم ذَلِك بل لَهُ أَن يَقُول كل مَأْمُور فَلَا بُد لَهُ من امْر يتَعَلَّق بِهِ لَكِن ذَلِك الْأَمر قد يكون وجوده تَقْديرا بالنسة إِلَيْهِ كَمَا يقدر وجود العقد فِي البيع وَالنِّكَاح بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَحْقِيق ثمراته وَأَحْكَامه أما أَن يكون مَأْمُور من غير أَمر فَلَا وَإِذ ذَاك فَلَا يلْزم من تَقْدِير وجود الْأَمر عِنْد وجود الْمَأْمُور وتعلقه بِهِ تَقْدِير وجود الْمَأْمُور لِأَن يتَعَلَّق بِهِ الْأَمر فَإِنَّهُ غير مُفِيد إِلَّا مَعَ وجود شَرطه وَهُوَ الْعلم والفهم وَذَلِكَ مُتَعَذر فِي حق الْمَعْدُوم وعَلى هَذَا يخرج الْإِلْزَام بِالْقُدْرَةِ إِذْ الْقُدْرَة لَيست عبارَة إِلَّا عَن معنى يَتَأَتَّى بِهِ الإيجاد فِيمَا هُوَ مُمكن أَن يُوجد وَذَلِكَ مُتَحَقق بِدُونِ وجود الْمَقْدُور فلئن رَجَعَ فِي تقديرة جَوَاز تعلق الْأَمر بالمعدوم وَمن لَا فهم لَهُ إِلَى مَا أسلفناه كَانَ ذَلِك كَافِيا وَوَجَب الاعتناء بِهِ
وَأما مَا قيل من أَن الْقُرْآن معْجزَة الرَّسُول فَيمْتَنع أَن يكون قَدِيما فتهويل لَا حَاصِل لَهُ فَإنَّا مجمعون على أَن الْقُرْآن الحقيقى لَيْسَ بمعجزة الرَّسُول وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِي أَمر وَرَاءه وَهُوَ أَن ذَلِك الْقُرْآن الحقيقى مَاذَا هُوَ فَنحْن نقُول إِنَّه الْمَعْنى الْقَائِم بِالنَّفسِ والخصم يَقُول إِنَّه حُرُوف وأصوات أوجدها الله تَعَالَى وَعند وجودهَا انعدمت وَانْقَضَت وَأَن مَا أَتَى بِهِ الرَّسُول وَمَا نتلوه نَحن لَيْسَ هُوَ ذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ مِثَال لَهُ على نَحْو قراءتنا لشعر المتنبى وامرئ الْقَيْس فَإِنَّهُ لَيْسَ مَا يجرى على ألسنتنا هُوَ كَلَام امْرِئ الْقَيْس وَإِنَّمَا هُوَ مثله فَمن الْوَجْه الَّذِي لزمنا القَوْل بمخالفة الْإِجْمَاع هُوَ أَيْضا لَازم لَهُم
وَلأَجل ذَلِك فر الجبائي إِلَى مَذْهَب خرق بِهِ حجاب الْعقل وارتكب فِيهِ جحد الضرورات وَالْتزم بِهِ القَوْل بالمحالات فَقَالَ إِن الله تَعَالَى يخلق كَلَامه عِنْد قِرَاءَة
1 / 107