وهكذا فلا جناح على ملك التمدن إذا كان يهلك كل الذين يتكلمون بالكذب؛ لأنهم يسعون في خراب مملكته بما تترك ألسنتهم المنافقة من الأضرار الكلية والجريئة؛ كإثارة الفتن وإلقاء الفساد وتبغيض المحبين وإغراء ذوي الغفلة والسذاجة ونحو ذلك، فهذه جميعها أطوار تعارض سير التمدن وتباين آرابه ولا تتفق مع نزاهة الطبع الإنساني بما فيها من الآثار الذميمة، فلا ظلم إذا طرد قائد الكذب والنفاق طردا مطلقا لعدم نفعه في شيء، وإقامة الصدق والحق مكانه.
ولما كانت الخيانة قائدة كل هؤلاء القواد وحاملة بيرقهم الأسود وأصلا تتفرع عنه أكثر الخصال الناقصة والصفات غير الصافية، كان الواجب أن يحكم عليها كما حكم على أولئك القوم، وإن تعامل بالطرد المطلق نظير قائد الكذب.
لا عاش من للعهد خان خونا
وبئس وغد لا يصون صونا
جرى أمامي الدهر فاتبعته
عسى أرى خلا فما وجدته
صحبت نذلا يستدر ودي
وهو مولع بنكث عهدي
قد كان يدعو نفسه رب الوفا
والآن في ذكري يهز الكتفا
Unknown page