النَّاقدون لكتاب الغريب
مهما أتقن الإنسان عمله، فإنَّه لا يصل إلى رتبة الكمال المطلق، ومهما بالغَ في تنقيح كتبه ومصنفاته، فإنَّه سيبقى فيها بعض الخلل والاعتراضات وفي هذا دليلٌ واضحٌ على استيلاء النقص على الجنس البشري الضعيف، وفيه أيضًا تأكيدٌ لمعجزة القرآن الذي وصفه تعالى بقوله: ﴿لاَّ يَأتيهِ الباطل مِن بَين يَديهَ وَلاَّ من خلفه تَنزِيلٌ من حَكيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصِّلت: ٤٢.
ورحمَ اللَّهُ القائل: "إنّي رأيتُ أنَّه لا يكتبُ إنسانٌ كتابًا في يومه إلا قال في غده: لو غُيِّرَ هذا لكان أحسنَ، ولو زِيدَ كذا لكانَ يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكانَ أفضل، ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليلٌ على استيلاء النقصِ على جُملة البَشر".
وقد بذل أبو عبيد قُصارى جهده في تأليف كتابه ومراجعته، ومع ذلك فقد وُجهِّت إليه اعتراضات وانتقادات، والنَّاس في ذلك ما بينَ مًتحاملٍ عليه، وما بينَ مُنصِفٍ له.
وقد تقدَّمَ قريبًا أنَّ إسحاق بن إبراهيم ذكر أنَّ أبا عبيدٍ صحَّف في كتابه المصنَّف نيفًا وعشرين حرفا وتقدَّم ردُّ أبي عبيد.
وذكر أبو أحمد العسكري أنَّ أبا الحسن الطوسي راوية كتب أبي عبيد قال: صحَّف أبو عبيدٍ في عشرةِ أحرفٍ من كتابه١.
أقول: وهذا شيء قليل بالنسبة إلى حجم كتابه.
_________
١ شرح ما يقع فيه التصحيف ص ٢٢٩.
1 / 270