Gharaib Quran
غرائب القرآن و رغائب الفرقان
نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقا شيئا فشيئا وحينا فحينا حسب ما يعن لهم من الأحوال المتجددة والحاجات السانحة ، فقيل لهم : إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج ، فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه ، وهلموا نجما من نجومه أصغر سورة وهي الكوثر ، ومعنى السورة مذكور في المقدمة الرابعة. وإنما قيل : «على عبدنا» دون أن يقال على محمد كقوله ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد ) [محمد : 2] تشريفا له صلى الله عليه وسلم وإعلاما بأنه صلى الله عليه وسلم ممن صحح نسبة العبودية المأمور بها في قوله تعالى : «يا أيها الناس اعبدوا» وإضافة العبد إلى الضمير أيضا تؤيد ذلك كقوله تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) [الإسراء : 65]. وفيه أن السعادة كل السعادة في نسبة العبدية ، فهي التي توصل إلى العندية ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) [القمر : 55] «
** وأنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي
وتقطيعه سورا ، فمن ذلك أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتملت الأنواع على الأصناف ، كان إفراز كل من صاحبه أحسن ، ولهذا وضع المصنفون كتبهم على الأبواب والفصول ونحوها. ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر ، كان أنشط له كالمسافر إذا قطع ميلا أو طوى فرسخا ، ومن ثم جزأوا القرآن أسباعا وأجزاء وعشورا وأخماسا ، ومنها أن الحافظ إذا حفظ السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها فيحل في نفسه ، ومنه حديث أنس : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا. ولهذا كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل. و «من مثله» متعلق بمحذوف أي بسورة كائنة من مثله ، والضمير لما نزلنا أو لعبدنا. ويجوز أن يتعلق بقوله «فأتوا» والضمير للعبد معناه ، فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب والنظم الأنيق ، أو فأتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ولم يقصد إلى مثل ونظير معين ، ولكنه كقول من قال للحجاج وقد توعده بقوله «لأحملنك على الأدهم مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب» أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقدرة وبسطة اليد ، ولم يقصد أحدا يجعله مثل الحجاج. ورد الضمير على المنزل أوجه وعليه المحققون. ويروى عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن ، ولأن ذلك يطابق الآيات الأخر ( فأتوا بسورة مثله ) [البقرة : 23] ( فأتوا بعشر سور مثله ) [هود : 13] ، ولأن البحث إنما وقع في المنزل لا في المنزل عليه ، إذ المعنى وإن ارتبتم أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم شيئا مما يماثله. ولو كان الضمير مردودا إلى الرسول اقتضى الترتيب أن يقال : وإن ارتبتم في أن محمدا صلى الله عليه وسلم منزل عليه ، فأتوا بسورة ممن يماثله. وأيضا لو كان عائدا إلى القرآن اقتضى أن يكونوا عاجزين عن الإتيان بمثله ، مجتمعين أو متفرقين ، أميين أو قارئين. ولو عاد إلى
Page 193