Gharaib Maktubji

Salim Sarkis d. 1344 AH
36

Gharaib Maktubji

غرائب المكتوبجي

Genres

لما رجعت من لندن كتبت رحلتي إليها وذكرت ذات يوم أنني عبرت بحر المانش في ساعة و10 دقائق، فحذف المكتوبجي هذه العبارة. وقد اطلع على مسودتها أحد القناصل إذ كان زائرا إدارة الجريدة، فأدهشه ذلك وقال إن المكتوبجي صاحب حق، فأدهشني كلام القنصل وقلت: كيف ذلك؟ قال: إن كل إنسان يعبر المانش في ساعة و10 دقائق، أما أنت فبصفة كونك من رعايا جلالة السلطان كان يجب عليك أن تعبره في نصف المدة. وأراد القنصل من ذلك أن يهزأ بنا وبسلطاننا. (41) اكتشاف أميركا

في شهر رمضان يصدر أمر المكتوبجي إلى محرري الجرائد أن يرسلوا المسودات صباحا إلى منزله؛ لأنه لا يشرف إلى سراي الحكومة إلا مساء. فحدث ذات يوم أنني أرسلت المسودة صباحا باكرا، وعند الظهر جاءني الخادم يقول: إن سعادة المكتوبجي يطلب حضورك إلى منزله قبل أن يمضي على المسودة، فركبت عربة لأصل حالا لأن المسافة بين الإدارة وبيته نحو نصف ساعة. فلما وصلت ودخلت إلى قاعة الاستقبال، وكان من عادته أن يكون لطيفا في منزله، استقبلني ومسودة الجريدة في يده وهو يرتجف غيظا وقد قدحت عينه نارا، وانهال علي بالشتائم باللغة التركية التي - لحسن حظي - لا أفهمها ولكن فهمت أنه يقول إنني قليل الأدب، قلت: مهلا يا مولاي، فما الذي صدر مني؟ قال: ألا تدري يا هذا أنك في بلاد إسلامية تحت سلطة حاكم مسلم؟ قلت: أدري ذلك. قال: إذن كيف تجاسرت على إهانة الإسلام في جريدتك؟ فارتجف قلبي خوفا وقلت لعل أحد أعدائي قد دس لي دسيسة وزاد على الجريدة ما لا علم لي به، فسألته أن يريني محل الخطأ وبأي كلام أهنت الإسلام، فأعطاني المسودة ووضع يده على مقالة قد طوقها بعلامة زرقاء وقال: اقرأ هذا الكلام الذي كله خيانة للوطن والدولة. فلما قرأت المقالة سكن روعي، وكانت المقالة المذكورة جزءا من رحلة مدير الجريدة إلى معرض شيكاغو وصف فيها القسم الإسباني من ذلك المعرض، وقال إنه لما وصل وجد على الباب ورقة مكتوبة في إطار ثمين مع سيف قديم وهما التصريح الذي أعطته إيزابلا مع سيف الشرف «لكريستوفوروس كولومبوس مكتشف أميركا عند سفره إلى القيام بالاكتشاف». فقلت للمكتوبجي: إنني لا أرى في هذا ما يوجب اتهامي بالخيانة والإهانة. قال: كيف ذلك وأنت تقول إن كولومبوس هو مكتشف أميركا، ألا تدري يا هذا وأنت من محرري الجرائد أن العرب هم الذين اكتشفوها؟! وأؤكد للقارئ أنه لما انتهى المكتوبجي من كلامه هذا كنت أدفع مائة ليرا لأتمكن من الضحك بحرية، ولكنني كتمت احتقاري له وأردت إقناعه والخلاص منه، فقلت: إنما هي غلطة يسهل إصلاحها، فنحن نبقي الخبر على علاته؛ لأن ذلك ما يزعمه الإفرنج، ونضيف عليه رأينا بأن العرب هم الذين اكتشفوا أميركا. فقال: حسنا تفعل. وهكذا جرى، ولا يزال سعادته يتصور برأسه الفارغ أنه خدم الحق والإسلام. (42) القانون في رأسه

لما أكثر المكتوبجي من حذف المقالات ضجر عبد القادر أفندي القباني صاحب ثمرات الفنون وزاره ذات يوم، فقال له: نرجوك أن تعين لنا خطة نجري عليها في نشر مقالاتنا وترينا القانون الذي نخضع له في تحرير جرائدنا. فنظر إليه سعادته وقال: ألا تدري أين القانون؟ فأجاب قباني أفندي سلبا. وإذ ذاك وضع إصبعه على دماغه وقال: إن القانون هنا. فما قول القارئ في هذا الاستبداد؟ (43) رواية عائدة

رضي والي بيروت إجابة لطلب بعض وجهائها أن يمثل إسكندر أفندي صيقلي رواية «عائدة» ثلاث ليال تحت حماية دولته، وفي الساعة المعينة بدئ بالتمثيل حتى وصلوا إلى الفصل الذي يظهر فيه الجيش على المرسح حاملا اللواء وقد كتب عليه:

نصر من الله وفتح قريب ، وكان المكتوبجي في المرسح فأمر للحال بتوقيف الجوق عن التمثيل. وهكذا أنزل الستار وانصرف الناس قبل أن تنتهي الرواية لغير سبب إلا نشر الآية المذكورة على لواء الجيش في المرسح. (44) جبانة الأفكار

نشرت في عدد 31 من المشير ما يأتي تحت عنوان «جبانة الأفكار»:

من المضحكات المبكيات ما سمعناه عن رجل في الآستانة، بل الجبانة التي قبرت فيها الأفكار ولحدت فيها الهمم؛ ليعلم المصريون أنهم في جنات وعيون ومقام كريم، تحت هذا المليك الذي أحب أن يعيش بين الأحرار الذين أسبغ عليهم ظل الحرية الظليل بفضله وكرمه، وليعلموا ما فيه غيرهم من الحجر حتى على هواجس الضمائر، ليقدروا النعمة قدرها. طلب رجل من ذوي الظهور «تاريخ فلاسفة اليونان» من صاحب له ليطلع عليه، وألح عليه في الإسراع بإرساله، ولما قدمه له شكره وفرح بالكتاب. وفي الغد لم يشعر المعير إلا وقد أيقظه طارق على بابه وإذا هو خادم صاحبه الذي استعار الكتاب، وقبل لبس ثيابه لحق الخادم الأول خادم آخر يستحث الرجل للذهاب، ولما وصل عند صاحبه ناوله الكتاب فزعا جزعا وقال له: اخرج وألق الكتاب في مرحاض أو أحرقه وتعال لأخبرك عن السبب الذي دعا لهذا. فخرج الرجل بالكتاب وعاد وحده، فقال له: أكنت تريد خراب بيتي بكتابك وسلب نعمتي ؟! فوقف الرجل مبهوتا من هذا الكلام وقال: يا سيدي هذا الكتاب مطبوع في مصر منذ ستين سنة وقد تداولته الأيدي وسار في الآفاق، وما سمعنا معترضا عليه إلا أن يكون في شرح مذاهب الفلاسفة، ولا ضرر على الدين في نفس الأمر من شرح ذلك المذهب. فقال الرجل الذي ملأ الخوف تجاويف أحشائه: لا يعنينا الكفر وغيره، وإنما البلاء كل البلاء أن هذا الكتاب احتوى على فقرة تفتت فقار الظهر، وهي قوله: «تيجان الملوك أسرع انصداعا من الزجاج»، أبعد قراءة هذه الجملة تحفظ الكتاب في بيتك وتلقي صاحبك - بإعارته - في الهلاك وهو لا يعلم؟! فخرج الرجل وهو لا يدري مواضع قدمه مما رأى.

اللهم ارزقهم عقولا يعيشون بها، وارزقنا همة تخلصنا من هذا البلاء. (45) جلالة الإمبراطور محمد علي الطرابلسي

تعين هذا الإمبراطور الجديد بإرادة سامية من حضرة سعادتلو عبد الله نجيب أفندي (مكتوبجي) ولاية بيروت ومراقب جرائدها، وإليك البيان:

كتب إلي من بيروت أن جريدة «الصباح» نشرت الإعلان الآتي: «إن قطعة الأرض المشتملة على بيت 4 أوض ومطبخ ودار ملك محمد علي الطرابلسي معدة للأجرة وعلى الراغبين مخابرة صاحبها.» وأرسلت مسودة الجريدة إلى المكتوبجي (الطيب الذكر) فلما قرأ الإعلان المذكور استشاط غيظا وحذف لفظة «ملك»، فسأله الأمير سعيد أرسلان وكيل المراقبة عن سبب ذلك، قال: «لا ملك إلا الذات الشاهانية»، وعبثا حاول الأمير إقناعه بغلطه، وبعد أن قدح سعادته زناد الفكر طويلا قال: قد وجدت طريقة أوفق، وذلك أن أستبدل لفظة «ملك» بلفظة «إمبراطور». وهكذا فعل وأعيدت المسودة إلى إدارة المصباح وقد صار الإعلان هكذا: «إن دار الإمبراطور محمد علي الطرابلسي معدة للأجرة»، فأسرع مدير المصباح إلى والي بيروت وأطلعه على المسودة، فضحك كثيرا قدر ما بكي المحرر على بنات أفكاره الذاهبة ضحية جهل المكتوبجي وعنفه على جهله. (46) من أجل زهرة

Unknown page