) الجواب (قد أخل السائل في النقل. ففي الفتاوى الحديثية لابن حجر ما نصه. سئل عن قول النووي في آخر مجالس الذكر من شرح مسلم ذكر اللسان مع حضور القلب أفضل من ذكر القلب انتهى. فهل يؤخذ من كلامه أنه إذا ذكر الله تعالى بالقلب دون اللسان أن ينال الفضيلة إذا كان معذورًا أم لا. وهل إذا قرأ بقلبه دون لسانه من غير عذر ينال الفضيلة أم لا. فأجاب بقوله الذكر بالقلب لا فضيلة فيه من حيث كونه ذكرًا متعبدًا بلفظه.) وإنما (فيه فضيلة من حيث استحضار معناه من تنزيه الله تعالى وإجلاله بقلبه. وبهذا يجمع بين قول النووي المذكور وقولهم ذكر القلب لا ثواب فيه فمن نفي عنه الثواب أراد من حيث لفظه ومن أثبت فيه ثوابًا أراد من حيث حضوره بقلبه كما ذكرناه. فتأمل ذلك فإنه مهم ولا فرق في ذلك بين المعذور وغيره والله تعالى أعلم انتهى كلام الفتاوى. وقال في موضع آخر منها بعدما تقدم بورقات الذكر الخفي قد يطلق ويراد به ما هو بالقلب فقط وما هو بالقلب واللسان بحيث يسمع نفسه. ولا يسمع غيره. ومنه خير الذكر الخفي أي لأنه لا يتطرق إليه الرياء.) وأما (حيث لم يسمع نفسه فلا يعتد بحركة لسانه. وإنما العبرة بما في قلبه على أن جماعة من أئمتنا وغيرهم يقولون لا ثواب في ذكر القلب وحده ولا مع اللسان حيث لم يسمع. وينبغي حمله على أنه لا ثواب عليه من حيث الذكر المخصوص) وأما (اشتغال القلب بذلك وتأمله لمعانيه واستغراقه في شهودها فلا شك أنه بمقتضى الأدلة يثاب عليه من هذه الحيثية الثواب الجزيل ويؤيده خبر البيهقي الذكر ما لم يسمعه يضاعف سبعين ضعفًا انتهى كلامه. ويعلم منه أن ليس المراد من قوله في الكلام السابق وقولهم قول جميع الفقهاء بل قول جمع منهم ومن مجموع الكلامين يعلم جواب السؤال وما فيه من الإخلال.
السادس عشر: إن من أهل الطرائق من ذكر الله في القلب وهو لا يصدق عليه تعريف الذكر لأنه مفرد وتعريف الذكر قول سيق لثناء أو دعاء. ولا سياق في المفرد. وقد نص الإمام النووي في فتاواه على أن المفرد ليس ذكرًا وأيضًا هو لا يدل على تنزيه وإجلال ليحصل باستحضار معناه بالقلب ثواب فكيف أطبق جميع أهل تلك الطريقة على ذلك.
) الجواب (أنه ينبغي أن يكون المفرد ذكرًا كالكلام لأن الذكر إن كان باللسان فهو مقابل الصمت والسكوت وإن كان بالقلب ويقال له ذكر بضم الذال فهو مقابل الغفلة أو السكوت الباطني أو القول النفسي وأيًا ما كان فهو يتحقق بالمفرد بلا شبهة وكل أحد يؤخذ من قوله ويرد كما قال الإمام مالك ما عدا رسول الله ﷺ فما تنقص جلالة النووي رضي الله تعالى عنه إذا لم يؤخذ بقوله هاهنا. وقد اتفق له نفسه أنه لم يأخذ بقول من هو أفضل منه كأصحاب المذاهب الثلاث أبي حنيفة ومالك وأحمد رضي الله تعالى عنهم فما علينا نحن من بأس إذا لم نأخذ بقوله في هذه المسألة مع إنا أدنى من تراب نعاله رضي الله تعالى عنه. وأن الاسم الجليل وإن كان من حيث أنه علم شخصي على الصحيح موضوع للذات البحت يدل على التنزيه والإجلال باعتبار الأوصاف المشتهر بها ولا اشتهار حاتم بوصف الكرم وباعتبار ذلك قبل تعلق الجار به في قوله تعالى) وهو الله في السماوات وفي الأرض (على أن تلك الطائفة التي عناها السائل إنما يعتبرون الذكر القلبي به إذا كان مع ما يسمونه بالوقوف القلبي. وهو أن يستحضر الذاكر مع كل قول الله الله ذات بلا مثل وعليه فلا إشكال ولا قيل ولا قال.
السابع عشر: قال العلامة بن حجر في فتاواه لابس المرقعة يجب أن يكون قد أدب نفسه بالأدب وراضها بالمجاهدات والمكابدات وتحمل المشاق وتجرع المرارات وجاوز المقامات واقتدى بالمشايخ أهل الاتباع والاقتداء وصحب رجال الصدق والاهتداء وعرف أحكام الدين وحدد أصوله وفروعه ومن لم يكن بهذه الصفة حرم عليه التعريض للمشيخة فما الجواب في إجماع الناس على من هو عن هذه الصفات بمعزل. وبعيد عنها بألف ألف منزل. أو يكون ذلك مصداق قوله عليه الصلوة والسلام بدا الإسلام غريبًا وسيعود كما بدا.
1 / 42