وأثر ما فطمت من ارتضاع الألبان، شرعت أتحسى در قراءة القرآن وبعيد ما حل عني بند قماط الطفولية، عقد على لواء حفظ المقدمة الأجرومية وريثما كسرت عني البيضة حبست في قفص مكتب الملا حسين الجبوري فأوفر من حسن تعليمه إياي الكتاب العظيم حبوري، وهو رجل قد كتب على أسارير جبهته الطلاح، ووفق للتقوى فرح على صفحات وجهه أنوار الفلاح، وكان مقيمًا في مسجد قرب سوق حمادة، وقد أقام فيه رحمة الله تعالى عليه سوق العبادة، وقبل أن أبلغ من تسدية ما بين الدفتين الأمنية، طويت على نول قلبي رداء حفظ الأجرومية، وفي أثناء ذلك حفظت ألفية ابن مالك، وقرأت غاية الاختصار في فقه الشافعية، وحفظت في علم الفرائض المنظومة الرحبية، كل ذلك عند والدي أسكنه الله تعالى أعلى عليين، وكان قبل أن أبلغ من العمر سبع سنين، ثم أني لم أزل أقرأ عنده، وأحسو دره وشهده، حتى استوفيت الغرض من علم العربية وحصلت طرفًا جليلًا من فقهي الحنفية والشافعية، وأحطت خبرًا ببعض الرسائل المنطقية، والكتب الشريفة الحديثية، وكان عليه الرحمة يزقني العلم ليلًا ونهارًا، ويزقني إن ونيت سرًا وجهارًا، ولما بلغت من العمر عشرًا، أذن لي بالقراءة عند غيره ولم يرهقني عسرًا،) فقرأت (على أن عمي الأمجد) السيد علي بن السيد أحمد (شرح القوشجي للرسالة الوضعية العضدية، ووقفت والحمد لله تعالى على مضمراتها وإشاراتها الخفية) وقرأت (عليه أيضًا حواشيها، وأزلت بمراجعة الوالد عليه الرحمة غواشيها وهو رجل في بيتنا ربا، ولم يعرف غير أبي أبًا، وأقرأه معظم العلوم القلية، وطرفًا يسيرًا من العلوم العقلية، ومعظم قراءاته المعقول عند من تقصر عن طويل شرح حاله عبارتي) صبغة الله أفندي (بن الملا مصطفى العلي الزيارتي، ثم اضطره ضعف الحال، فسلك طريق الاكتساب لدفع ضرورة العيال، حتى أشكل عليه البديهي الأول، ولا يكاد يفهمه إياه إلا ابني أو ولي،) وقرأت (شرح آداب البحث المسمى بالحنفية على رجل يدعى) ملا درويش بن عرب خضر (في المدرسة الأحمدية وهو ممن أخذ العلم من العالم الرباني) الشيخ عبد الرحمن أفندي (المدرس الروزبهاني، خريج صبغة الله أفندي المذكور، ضوعفت لنا ولهم الأجور وذلك بعد أن قرأت منه درسًا واحدًا عند محمد أفندي بن أحمد أفندي مدرس السليمانية فلم أفهم منه ما قال كما لم يفهم مني ما قلت كأن بعضنا يتكلم بالعربية والآخر بالعبرانية،) وقرأت (حواشي الرسالة المذكورة، للفاضل مير أبو الفتح مع حواشيه المشهورة، وكذا آداب المسعودي والغ وعبد اللطيف وشرح السراجة في الفرائض للسيد الشريف، وأبعاض كتب عديدة ورسائل مفيدة، على ذي الأخلاق المستجادة) عبد العزيز أفندي شواف زادة (، وهو أيضًا ممن تخرج على الفاضل الأوحدي، الزيارتي، صبغة الله أفندي، وكان علم العلم ومناره، ومقتبس الفضل ومستناره شمائله معبرة عن لطف النسيم، ومحاوراته محدثة عن لذة التنسيم، ذا مزح أطيب من نفس الحبيب، وروح أخف من مغيب الرقيب.
ففيه مجال للتواضع والعلى ... وفيه نصيب للفكاهة والجد
1 / 3