219

قلت: فلعلهم يرون الكذب في الجرح نوعا من الكذب في الإصلاح، حيث المقصود به جمع الناس على مذهب العثمانية ومحاربة التفرق، بسبب خلاف الشيعة بسبب أحاديث الفضائل، إذا عرفت هذا، عرفت أنه لا يبيعد من بعضهم تعمد الكذب في جرحهم لبعض الشيعة، وإن كان الجارح ممن يظهر النسك والعبادة ويقرأ القرآن ويصلي في الليل، لأنه يعتقد الحق ما هو عليه من العقيدة، ويعتقد في أحاديث الفضائل المعارضة لمعتقده أنها مفسدة، وسبب للتفرق بين المسلمين، ولاغترار من يقبل تلك الأحاديث على زعمه فهو مع تعصبه لمذهبه وتشدده فيه، يرى أن الجرح لبعض الشيعة نوع من الكذب للإصلاح بين الناس ، ولا سيما مع بغضه للشيعة وسوء ظنه فيهم، واعتقاده في رواة تلك الفضائل أنهم مفسدون، فإنه لا يبعد عنه أن يتسرع إلى الكذب عليهم للمصلحة التي يتوهمها، والرخصة التي يظنها، فعبادته ونسكه لا يعتبر قرينة صارفة عن اتهامه بالكذب، بل ربما كان حمله على الكذب مع ذلك أقرب لشدة تمسكه بمذهبه وتدينه بالدعوة إلى بدعته، واعتقاده أن محاربة تلك الروايات والسعي في تحذير الناس من الاغترار بها في ظنه من أفضل القرب، بل ربما كان يرى ذلك من الجهاد، لأنه بزعمه نصرة للحق ومحاربة للباطل، فالكذب فيه كالكذب في الحرب، فلهذا يظهر أن أهل النسك منهم والعبادة الذين يظهر منهم التصلب في مذهبهم، والتشدد فيه، والجد في نصرته، والعناية في الدفاع عنه، هم أقرب إلى أن يكونوا كاذبين في الجرح لخصومهم، وإن التهمة فيهم أقوى من غيرهم، إلا من يتعمد الكذب ولا يبالي بإثمه، وهو مع ذلك متعصب لمذهبه.

هذا وأما جرحهم بالأعاريض، والتدليس دون الكذب الصريح، فمقتضى ما بيناه من أصولهم أنه مجمع عليه بينهم إذا كان للمصلحة في الإصلاح بين الناس أو للحرب كما مر، وعلى هذا فينبغي الحذر، ثم الحذر منهم جميعا من يرى جواز الكذب الصريح، ومن يرى جواز التدليس فهم مظنة الخداع، ولا ينجو من شرهم إلا من عصمه الله.

ومن العجيب أن يسمى المقلدون لهم مجتهدين، ويعد المنقادون لهم منصفين، وأن يجري المقلدون لهم مجراهم في الجرح لا يخافون الله رب العالمين، ويدعو لأنفسهم أنهم متمسكون بالسنة اتباعا للحق وحرصا على الدين، وهم كاذبون.

قال السيوطي في اللألئ المصنوعة في إثبات حديث: رد الشمس لعلي عليه السلام: ومما يشهد بصحة ذلك قول الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره: ما أوتي نبي معجزة إلا أوتي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم نظيرها أو أبلغ منها.

Page 219