186

فالنفي - أي: نفي الدخول - لا نسلمه، لاحتمال أن الراوي استند فيه إلى موت الزوج قبل زفافها إليه، لأن العادة عندهم أن لا يكون الدخول إلا بعد الزفاف، وهذا ظن منه لا يصح اعتماده لمخالفة القرآن. بل يحتمل أن زوجها كان دخل بها قبل الزفاف، وكان ذلك خفية فلم يشعر به الذي رووا الحديث من قومه.

وأما الأثبات وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى لها بالمهر فمسلم، ولكنه لا يفيد الخصم مطلوبه لاحتمال أنه قضى لها بالمهر لأنها مدخولة، وإن لم تكن قد زفت إلى بيت زوجها ولم يسم لها مهر، وحمل الراوي على الغلظ في نفي الدخول، وعلى أنه جهل الدخول مع كونه من أهل البادية ليس من العلماء المحققين هو أقرب من حمل علي عليه السلام على الجهل بالسنة في بروع، لأن الدخول مظنة أن يخفى لأن العادة أن يكون سرا، والراوي مظنة أن يعتقد عدمه لعدم الزفاف، ومظنة أن ينفيه بناء على هذا الاعتقاد، فقول ابن تيمية: ولم تكن بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بروع تحامل على أمير المؤمنين، وتعصب لمذهب العثمانية، وقذف بالغيب من مكان بعيد، لأن تمسكهم بالقرآن في هذه المسألة وعدم اعتمادهم للرواية في بروع لا يدل على جهلهم بالرواية، لأن الإطلاع عليها لا يستلزم اعتمادها لما ذكرنا فيها من العلة. فعدم اعتمادها لا يدل على الجهل بها، لاحتمال أنهم تركوها لعدم الثقة بالراوي في نفيه للدخول، وقد روي عن علي عليه السلام رواية في سنن البيهقي نحو هذا، وهي وإن لم تثبت فاحتمالها كاف في إبطال قول ابن تيمية: إنها لم تكن بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بروع، ويكفي في إبطاله الحديث الذي نحن بصدده (( أنا مدينة العلم وعلي بابها ))، واعتماد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى من اعتماد كلام ابن تيمية.

قال مقبل (ص 152): ومما يدلنا أن الحديث - أي ((أنا مدينة

Page 186