ولم تكن الهند بهذه الحال من الفاقة في الأزمنة الماضية، وإنما جاءتها هذه الفاقة من الإنجليز. وليس شك في أن الزراعة كانت أحيانا لا تؤتي غلاتها لقلة الأمطار، فيحدث القحط، ولكن مثل هذا القحط لم يكن يحدث لولا زيادة السكان المتوالية مع بقاء غلاتها على ما هي عليه لا تزيد.
والسبب الأصلي لفاقة الهند - على ما أوضح غاندي - هو قتل الصناعات الهندية وخاصة الغزل والنسج، لكي يفتح الطريق لمنسوجات لنكشير فتستأثر بأسواق الهند. وقد كانت الأقمشة الهندية معروفة، يتهادى بها الملوك والأمراء، ولكن الإنجليز قتلوها وعمدوا إلى كل رجل معروف ببراعته في النسج فقطعوا يده، حتى ماتت صناعة النسج وأصبح الهندي الذي كان يشتري منسوجات بلاده لنفسه ولزوجته وأولاده يشتري منسوجات لنكشير الإنجليزية.
وهذا هو ما يجعل غاندي يلح على الهنود في الرجوع إلى المغزل والمنسج. فإنه يريد من ذلك أن يكافح الفاقة ويقدم للفلاح الهندي صناعة أخرى إلى جنب الزراعة تزيد كسبه وتمكنه من أن يشتري الطعام الكافي لأسرته، فإن الزراعة في الهند تقتضي كدا متواصلا بضعة أشهر ثم راحة متواصلة بضعة أشهر أخرى. فإذا استطاع الفلاح أن يغزل في مدة الراحة أمكنه أن يزيد مكاسبه بعض الشيء مما يعينه على المعيشة الحسنة.
وعلاج الفاقة هو - كما بيننا - علاج أيضا للنجاسة لأن الكرامة الاجتماعية تجيء في إثر الكرامة الاقتصادية.
الفصل التاسع
المرأة الهندية
من الكتب التي ذاعت في أوروبا وأمريكا كتاب ألفته آنسة أمريكية تدعى كاترين مايو وعنوانه «أمنا الهند». وهي تصف في هذا الكتاب المساوئ الاجتماعية التي يعانيها الهنود من تقاليدهم، وغاية الكتاب الدفاع عن الإدارة الإنجليزية، وأن الإنجليز يصلحون البلاد في حين تواجههم عقبات من التقاليد التي توارثها الهنود عن أديانهم، وهي تقاليد تهدم كرامتهم وصحتهم وتبقيهم في الفاقة والضعف.
وقد حنق الهنود على هذا الكتاب، وقالوا في الدفاع عن بلادهم إن هذه المؤلفة مأجورة من الحكومة البريطانية لكي تسوئ سمعة الهنود وتحط من قيمة جهادهم للاستقلال، وألفوا الكتب في الرد على كتابها هذا، وأثبتوا فيه مبالغات تدل على القصد السيئ من إيرادها ونشرها وما هو أن هدأت العاصفة حتى نشرت كتابا آخر عنوانه «عبيد الآلهة»، والمعنى واضح من هذه التسمية وهو أن الهنود قد استعبدتهم آلهتهم وهم لا يجرءون على الانطلاق من القيود التي قيدتهم بها، وقد جعلته قصصا تتناول في الأكثر حياة المرأة الهندية.
ومهما قيل عن هذين الكتابين فإن الذي لا مراء فيه أنها تذكر أشياء تقع في الهند، وهي إذا بالغت فلإبراز الصورة فقط، أو هي تعمم أحيانا حين يكفي التخصيص، فإن الأرملة مثلا لا تحرق الآن في الهند بوجه عام، ولكن من آن لآخر يقع هذا الإحراق. وبين المنبوذين رجال استطاعوا أن يبرزوا ويبلغوا القمة ولكن منهم من تعد حياته في نظر الهندي كحياة الكلب إن لم نقل كحياة الحشرة.
ومن أحسن ما قاله رجل من أحرار الإنجليز عن هذين الكتابين أنه يجب على الهنود أن يذكروهما وعلى الإنجليز أن ينسوهما. وهو يعني بذلك أن الهند يجب أن تصلح نفسها وأن الإنجليزي يجب ألا يعيب على الهنود هذه العيوب.
Unknown page