فأطاعتها وانثنت إلى فراش من الحرير الملون وعليه غطاء من الأطلس المزركش بالذهب كانت قد أعدته العجوز هناك بأمر يزيد، فتوسدته والتحفت الغطاء إلى رأسها، ولبثت لا تبدي حراكا حتى ظنتها العجوز قد نامت، وهي إنما سكتت لانشغال ذهنها وقلقها وما تخافه على عبد الرحمن وعلى نفسها من الخطر.
وفيما هي راقدة سمعت خطوات مفردة على السلم، فعلمت أن يزيد صاعد على السلم ليتفقدها ويسأل عن صحتها؛ إذ لا يجرؤ على الصعود إلى تلك المقصورة سواه، فاستعاذت بالله، ولكنها رأت أن تتظاهر بالرقاد؛ لأن الليل لم يدن بعد، وهي إنما تريد قتله ليلا والناس نيام لتتمكن من الفرار.
وبعد هنيهة وصل يزيد إلى باب المقصورة، فأسرعت العجوز إليه واستقبلته لدى الباب وهي تشير له أن يمشي الهوينى ولا يتكلم؛ لأن عروسه نائمة.
فخفف الوطء واستفهم عن سبب نومها فقالت: إن الصداع اشتد عليها فعصبت رأسها وتوسدت ويظهر أنها نامت، ولكنها ستفيق بعد قليل ولا أثر للألم في رأسها، والنوم أنجع دواء للصداع.
فمشى رويدا رويدا حتى أقبل على الفراش ودنا من رأسها وكان مغطى وهي ساكنة وعيناها مغمضتان، وقد أشرق محياها وزاده الدفء إشراقا، فلم يتمالك يزيد عند رؤيتها عن الإعجاب بذلك الجمال الجاذب، وحدثته نفسه بأن يوقظها ويجلس إلى جانبها، ولكن العجوز أومأت إليه بأن يتركها لتنام، وأمسكته مشت به إلى جانب النافذة وقالت له همسا: لا تستعجل يا مولاي، إن العروس عروسك تتمتع بها متى شئت. دعها لتنام الآن وتستريح، فإذا جاء الليل كانت كما تشاء.
فقال: ولكنني لا أريد منها إلا قبلة.
قالت: لم يكن ثمة بأس من ذلك لولا مخافة استيقاظها.
فقال لها: هل أدخلتها الحمام؟
قالت: نعم يا سيدي، كن في راحة من هذا القبيل واذهب إلى مجلسك.
فقال لها: أعدي لنا ما نحتاج إليه من الشراب والطعام لنقضي الليلة في هذه المقصورة.
Unknown page