تسألني: ماذا جرى لشكري؟ قبل الحرب تعين حارسا ليليا لإحدى البنايات في مدينة «سيبو»، في الصباح وجدوه ميتا على كرسي في بوابة البناية! تسألني كيف يذوب مهاجرونا «طول بالك على شكري».
وفي «دانسالان» تعرفت إلى فؤاد أخي نخلة وشكري، وهو غير الأخوين، وأصغرهما، فصيح الكلام، روى لي شيئا من شعره؛ قصيدة حفظتها في زمن الدراسة من نظم حافظ إبراهيم. وفؤاد لا يعمل شيئا، ولا يملك شيئا، ولكنه أكد لي أن نفوذه يسهل لي أعمالي التجارية، وهو قد اجتمع فيما مضى إلى مكآرثر الأب وإلى روزفلت «ثيودور» وإلى «الجنرال وود»، وكلهم كان حاكما للفلبين، وله صداقة حميمة معهم جميعا، وانتهى الأمر بأن اقترض مني خمسة ريالات.
وكثر ترددي على مقاطعة «لاناو»، فقد كانت بلاد خير فيها جوز الهند وقصب السكر والتبغ، وحوالي «دانسالان» بدءوا يزرعون أشجار القهوة، وهي تصلح لذلك بسبب علوها.
وكانت بحيرة «دانسالان» ومناخها البارد ملجأ لنا من حر الأسفار - والفلبين بلاد حارة - وكان أكثر ما يجذبنا إلى «دانسالان» نادي ضباط الدرك، وهو جنة عمران في ضيعة بدائية.
وطابت الحياة في ذلك النادي من لهو وأكل وشراب، وسبب وجود النادي هنالك أن قوة كبرى من الدرك كانت مرابطة على ضفاف البحيرة، وهي أبدا مستعدة لقتال «الموروز» - مسلمي الفلبين - وما أنا بثقة تاريخ، ولكن المؤلفين العلميين اللذين يعتمدان على تاريخ الدعوة الإسلامية في الفلبين ألفهما المرحوم الدكتور نجيب الصليبي الذي كان «الموروز» يحبونه ويحترمونه جدا.
غير أني عرفت أن في «الفلبين» نحوا من مليوني مسلم يقطنون جزيرة «المندناو»، وجزيرة «الهولو» في الجنوب. وهم ثلاث قبائل أو عناصر، فأما الذين يسكنون حوالي البحيرة، فهو أشدهم بأسا، وهم جماعة قتال لم يستطع الإسبانيون التغلب عليهم، ولحد ما عجز الأميركيون عن إخضاعهم، ولكنهم صادقوهم.
أعتقد أنهم اليوم ما عادوا بمتمردين، وصاروا - بعد أن تثقفوا - يتحسسون قوميتهم «الفلبينية». ولكنهم في العهد الذي أتكلم عنه كثرت ثوراتهم، فكان أحد رؤسائهم، ويسمى «الداتو» يعلن الحرب، ويتم ذلك بعد أن يعد للأمر عدته، فيبني حصنا يسمى «كوتا» في إحدى الغابات، أو على «رأس تلة»، ويحيط هذا الحصن بقنال يطوفه بالمياه، ويتزنر القنال، أو يقع فيه، ثم يجمع «الداتو» رجاله داخل الحصن، ويحفر أنفاقا للهرب إلى مختلف الجهات، ويرفع على الحصن راية حمراء، فإن لم يفهم الدرك أن «الداتو» أعلن الحرب على الحكومة أرسل لهم كتابا رسميا يعلمهم بذلك.
وقد أخبرني الضباط الأميركان أن عصف تلك الحصون هي من أخطر عمليات القتال، وأن لا مفر لاقتحام الحصن من استعمال المدافع.
و «الموروز» لا يفهمون من الإسلام شيئا، ويعلقون في منازلهم صورة محمد رشاد على أنه لا يزال خليفة المسلمين، وهم حين يريدون أن يقسموا يصيحون «لا إله» فقط، وفي كثير من الأحيان يصيب بعضهم شيء من الهوس، فيعكف يرتل آيات القرآن الكريم من غير أن يفهمها، ثم يحلق شعر رأسه وحاجبيه، ويأخذ سيفه مهاجما أيا لقيه فيقتله، واثقا من أنه بفعلته هذه يدخل الجنة.
وقد حاول بعض المشايخ في دمشق وغيرها - الذين قصدوا إلى الفلبين - أن يعلموهم الدين فلم يفلحوا، واتهموا المشايخ بالكفر، ونعتوهم بأنهم يهود.
Unknown page