منهن قنطرة الوادي وجامعها
هاتان ثنتان والزهراء ثالثة
والعلم أعظم شيء وهو رابعها
لم يكتب لي أن أزور مدينة طليطلة لأشهد فيها قصور العرب القديمة، ومساجدها القائمة إلى اليوم، وعادياتها المأثورة، وكانت من عظائم مدائن الأندلس، وهي من قرطبة على عشرين يوما فاكتفيت بزيارة ثلاث مدن من أمهات المدن الأندلسية قرطبة وإشبيلية وغرناطة، وهي العواصم الثلاث التي تأصل فيها حكم العرب وطالت أيامه.
وقرطبة كانت في عزها أعظم مدائن الأندلس، فأصبحت الآن ليس فيها من السكان سوى ثمانية وخمسين ألف ساكن، وقيل: إن مساجدها بلغت ألفا وستمائة مسجد وحماماتها ستمائة، وذكر آخرون أنه كان فيها مائتا ألف دار وثمانون ألف قصر دورها ثلاثون ألف ذراع، وكان بخارجها ثلاثة آلاف قرية في كل واحدة منبر وفقيه مقلص
1
تكون الفتيا في الأحكام والشرائع له يأتون كل جمعة للصلاة مع الخليفة بقرطبة، ويطالعونه بأحوال بلدهم.
قال المراكشي: بلغت قرطبة من القوة، وكثرة العمارة، وازدحام الناس مبلغا لم تبلغه بلدة. حكى ابن فياض في تاريخه في أخبار قرطبة، قال: كان بالربض الشرقي من قرطبة مائة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي في هذا ما في ناحية من نواحيها، فكيف بجميع جهاتها، وكان الماشي يستضيء بسرج قرطبة ثلاثة فراسخ لا ينقطع عنه الضوء.
وفي تواريخ الإفرنج أن قرطبة كانت منقطعة القرين بين مدن الغرب؛ أي أوروبا، وليس ما يشبهها بعمرانها وسكانها، فكان فيها خمسمائة ألف ساكن و287 ربضا، وهي مكتظة بالسكان، وقد قامت المتنزهات البهجة المغروسة بأنواع الأشجار على طول الوادي الكبير والقصور والمصايف مغطاة بالخضرة، وكان في هذا الوادي الكبير أربعة عشر ألف قرية.
فقرطبة كانت أعظم مدينة بالأندلس ليس بجميع المغرب «لها شبه كثرة أهل وسعة رقعة وفسحة أسواق ونظافة محال وعمارة مساجد وكثرة حمامات وفنادق» ووصفها المقدسي فقال: «وصف ما شئت من طيبها ورحبها فإنها جنة الأندلس على ما حكي لي وهي مصر الأندلس، وقد دلت الدلائل، واتفقت الآراء على أنه مصر جليل رفيق طيب، وأن ثم عدلا ونظرا وسياسة طيبة ونعمة ظاهرة ودينا، وهي في جهاد ونفير أبدا مع علم كثير، وسلطان خطير، وخصائص وتجارات وفوائد» وذكروا أن لأهل قرطبة رئاسة ووقارا لا تزال سمة العلم والملك متوارثة فيهم.
Unknown page