Garden of the Devout
روضة العابدين
Publisher
مكتبة الجيل الجديد
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
Publisher Location
صنعاء - اليمن
Genres
الكبار والأئمة على نفوسهم. واعلم أن المخالف للنص لقول متبوعه وشيخه ومقلده أو لرأيه ومعقوله وذوقه وسياسته إن كان عند الله معذورًا -ولا والله ما هو بمعذور- فالمخالف لقوله لنصوص الوحي أولى بالعذر عند الله ورسوله وملائكته والمؤمنين من عباده. فواعجبًا إذا اتسع بطلان المخالفين للنصوص لعذر من خالفها تقليدًا أو تأويلًا أو لغير ذلك، فكيف ضاق عن عذر من خالف أقوالهم وأقوال شيوخهم لأجل موافقة النصوص، وكيف نصبوا له الحبائل وبغوه الغوائل ورموه بالعظائم، وجعلوه أسوأ حالًا من أرباب الجرائم، فرموه بدائهم وانسلوا منه لواذا، وقذفوه بمصابهم وجعلوا تعظيم المتبوعين ملاذًا لهم ومعاذا! " (^١).
أسباب ترك الانقياد والتسليم لنصوص الشرع:
هناك قضايا تكون نصوصها الشرعية ظاهرة معلومة، لا يخفيها جهلٌ بها ولا قلة دراية بمقاصدها، فأوامرها أو نواهيها صريحة واضحة، ولكن يجد المرء عند بعض المسلمين ضعف الانقياد لها، وترك الاستجابة لما فيها، إما بترك العمل بها من غير اعتراض عليها، وإما بترك العمل بها مع الاعتراض عليها؛ تخلصًا من مضمونها، وهذا الثاني هو الخطر الكبير الذي قد يُبقي صاحبه في دائرة الإسلام، أو يخرجه عنها، فيخرجه إن كان ينكرها أو يستهزئ بها أو يجعل غيرها من نتائج عقول البشر أحسن منها.
قال ابن القيم: " وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله ﷺ برأي أو قياس، أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنًا من كان، ويهجرون فعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ
_________
(^١) مدارج السالكين، لابن القيم (٢/ ٣٣٤).
1 / 33