وشكرُها عند أهل الجود والكرم أحبُّ إليهم من أموالهم، فهم يبذلونها طلبًا للثناء، والله ﷿ أكرمُ الأكرمين، وأجودُ الأجودين، فهو يبذل نعمَهُ لعباده، ويطلب منهم الثناءَ بها، وذكرَها، والحمدَ عليها، ويرضى منهم بذلك شكرًا عليها، وإن كان ذلك كلُّه من فضله عليهم، وهو غير محتاحٍ إلى شكرهم، لكنه يحب ذلك من عباده، حيث كان صلاح العبد وفلاحُه وكمالُه فيه. ومن فضله أنه نسب الحمدَ والشكر إليهم، وإن كان من أعظم نعمه عليهم، وهذا كما أنه أعطاهم ما أعطاهم من الأموال، ثم استقرض منهم بعضَه، ومدحهم بإعطائه، والكلُّ ملكُه، ومن فضله، ولكن كرمه اقتضى ذلك" (^١).
فهذا هو خلاصة الفتيا ومحتواها، وعين الخلاصة المذكور في هذه الفتيا قد ذكره ابن القيم ﵀ في كتاب آخر له وهو "عدة الصابرين" (^٢)، وخَلَص فيه إلى نفس ما خلص إليه ههَنا في الفتيا مع إيجازٍ شديدٍ.
وقفةٌ مع الفتيا:
من المعروف عن ابن القيم ﵀ أنه صاحب بَسْطٍ واستقصاءٍ؛ وذلك لما يتمتع به من سعةِ اطلاعٍ، وقوةِ ذاكرةٍ، وسيلانِ ذهنٍ، فقلَّ أن يفارقه الصواب في أجوبته.
وأول ما نقرؤه في مقدمة فتياه عن مسألة الحمد تأصيله لها بنفي وجود سندٍ لهذه الصيغة، وإنما غاية الأمر أنها أثرٌ مرويٌّ عن آدم ﵇،
_________
(^١) (جامع العلوم والحكم) ٢/ ٨٢ - ٨٣.
(^٢) (عدة الصابرين) ٢٢٨ - ٢٢٩.
المقدمة / 11