Futuhat Makkiyya
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418هـ- 1998م
Publisher Location
لبنان
وصاحب الغيب يرى واحدا . . . ليس عليه في العلى زائد اعلم أيدك الله أن العلم تحصيل القلب أمرا ما على حد ما هو عليه ذلك في نفسه معدوما كان ذلك الأمر أو موجودا فالعلم هو الصفة التي توجب التحصيل من القلب والعالم هو القلب والمعلوم هو ذلك الأمر المحصل وتصور حقيقة العلم عسير جدا ولكن أمهد لتحصيل العلم ما يتبين به إن شاء الله تعالى فاعلموا أن القلب مرآة مصقولة كلها وجه لا تصدأ أبدا فإن أطلق يوما عليها أنها صدئت كما قال عليه السلام ' إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد الحديث وفيه أن جلاءها ذكر الله وتلاوة القرآن ولكن من كونه الذكر الحكيم فليس المراد بهبذا الصدأ أنه طخاء طلع على وجه القلب ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب لأن الحضرة الإلهية متجلاة على الدوام لا يتصور في حقها حجاب عنا فلما لم يقبلها هذا القلب من جهة الخطاب الشرعي المحمود لأنه قبل غيرها عبر عن قبول ذلك الغير بالصدأ والسكن والقفل والعمى والران وغير ذلك وإلا فالحق يعطيك أن العلم عنده ولكن بغير الله في علمه وهو بالله في نفس الأمر عند العلماء بالله ومما يؤيد ما قلناه قول الله تعالى ' وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ' فكانت في أكنة مما يدعوها الرسول إليه خاصة لا أنها في كن ولكن تعلقت بغير ما تدعى إليه فعميت عن إدراك ما دعيت إليه فلا تبصر شيأ والقلوب أبدا لم تزل مفطورة على الجلاء مصقولة صافية فكل قلب تجلت فيه الحضرة الإلهية من حيث هي ياقوت أحمر الذي هو التجلي الذاتي فذلك قلب المشاهد المكمل العالم الذي لا أحد فوقه في تجل من التجليات ودونه تجلي الصفات ودونهما تجلي الأفعال ولكن من كونها من الحضرة الإلهية ومن لم تتجل له من كونها من الحضرة الإلهية فذلك هو القلب الغافل عن الله تعالى المطرود من قرب الله تعالى فانظر وفقك الله في القلب على حد ما ذكرناه وانظر هل تجعله العلم فلا يصح وإن قلت الصقالة الذاتية له فلا سبيل ولكن هي سبب كما أن ظهور المعلوم للقلب سبب وإن قلت السبب الذي يحصل المعلوم في القلب فلا سبيل وإن قلت المثال المنطبع في النفس من المعلوم وهو تصور المعلوم فلا سبيل فإن قيل لك فما هو العلم فقل درك المدرك على ما هو عليه في نفسه إذا كان دركه غير ممتنع وإما ما يمتنع دركه فالعلم به هو لا دركه كما قال الصديق العجز عن درك الإدراك إدراك فجعل العلم بالله هو لا دركه فاعلم ذلك ولكن لا دركه من جهة كسب العقل كما يعلمه غيره ولكن دركه من وجوده وكرمه ووهبه كما يعرفه العارفون أهل الشهود لا من قوة العقل من حيث نظره تتميم ولما ثبت أن العلم بأمر ما لا يكون إلا بمعرفة قد تقدمت قبل هذه المعرفة بأمر آخر يكون بين المعروفين مناسبة لابد من ذلك وقد ثبت أنه لا مناسبة بين الله تعالى وبين خلقه من جهة المناسبة التي بين الأشياء وهي مناسبة الجنس أو النوع أو الشخص فليس لنا علم متقدم بشيء فندرك به ذات الحق لما بينهما من المناسبة مثال ذلك علمنا بطبيعة الأفلاك التي هي طبيعة خامسة لم نعلمها أصلا لولا ما سبق علمنا بالأمهات الأربع فلما رأينا الأفلاك خارجة عن هذه الطبائع بحكم ليس هو في هذه الأمهات علمنا أن ثم طبيعة خامسة من جهة الحركة العلوية التي في الأثير والهواء والسفلية التي في الماء والتراب والمناسبة بين الأفلاك والأمهات الجوهرية التي هي جنس جامع للكل والنوعية فإنها نوع كما أن هذه نوع لجنس واحد وكذلك الشخصية ولو لم يكن هذا التناسب لما علمنا من الطبائع علم طبيعة الفلك وليس بين البار والعالم مناسبة من هذه الوجوه فلا يعلم بعلم سابق بغيره أبدا كما يزعم بعضهم من استدلال الشاهد على الغائب بالعلم والإرادة والكلام وغير ذلك ثم يقدسه بعد ما قد حمله على نفسه وقاسه بها ثم إنه مما يؤيد ما ذهبنا إليه من علمنا بالله تعالى أن العلم يترتب بحسب المعلوم وينفصل في ذاته بحسب انفصال المعلوم عن غيره والشيء الذي به ينفصل المعلوم إما أن يكون ذاتا كالعقل من جهة جوهريته وكالنفس وإما أن يكون ذاتا من جهة طبعه كالحرارة والإحراق للنار فكما انفصل العقل عن النفس من جهة جوهريته كذلك انفصل النار عن غيره بما ذكرناه وإما أن ينفصل عنه بذاته لكن بما هو محمول فيه إما بالحال كجلوس الجالس وكتابة الكاتب وإما بالهيئة كسواد الأسود وبياض الأبيض وهذا حصر مدارك العقل عند العقلاء فلا يوجد معلوم قطعا للعقل من حيث ما هو خارج عما وصفنا إلا بأن نعلم ما انفصل به عن غيره إما من جهة جوهره أو طبعه أو حاله أو هيئته ولا يدرك العقل شيأ لا توجد فيه هذه الأشياء البتة وهذه الأشياء لا توجد في الله تعالى فلا يعلمه العقل أصلا من حيث هو ناظر وباحث وكيف يعلمه العقل من حيث نظره وبرهانه الذي يستند إليه الحس أو الضرورة أو التجربة والباري تعالى غير مدرك بهذه الأصول التي يرجع إليها العقل في برهانه وحينئذ يصح له البرهان الوجودي فكيف يدعي العاقل أنه قد علم ربه من جهة الدليل وأن الباري معلوم له ولو نظر إلى المفعولات الصناعية والطبيعية والتكوينية والانبعاثية والإبداعية ورأى جهل كل واحد منها بفاعله لعلم أن الله تعالى لا يعلم بالدليل أبدا لكن يعلم أنه موجود وإن العالم مفتقر إليه افتقارا ذاتيا لا محيص له عنه ألبتة قال الله تعالى ' يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فمن أراد أن يعرف لباب التوحيد فلينظر في الآيات الواردة في التوحيد من الكتاب العزيز الذي وحد بها نفسه فلا أحد أعرف من الشيء بنفسه فلتنظر بما وصف نفسه وتسأل الله تعالى أن يفهمك ذلك فستقف على علم إلهي لا يبلغ إليه عقل بفكره أبد الآباد وسأورد من هذه الآيات في الباب الذي يلي هذا الباب شيأ يسيرا والله يرزقنا الفهم عنه آمين ويجعلنا من العالمين الذين يعقلون آياته . الهيئة كسواد الأسود وبياض الأبيض وهذا حصر مدارك العقل عند العقلاء فلا يوجد معلوم قطعا للعقل من حيث ما هو خارج عما وصفنا إلا بأن نعلم ما انفصل به عن غيره إما من جهة جوهره أو طبعه أو حاله أو هيئته ولا يدرك العقل شيأ لا توجد فيه هذه الأشياء البتة وهذه الأشياء لا توجد في الله تعالى فلا يعلمه العقل أصلا من حيث هو ناظر وباحث وكيف يعلمه العقل من حيث نظره وبرهانه الذي يستند إليه الحس أو الضرورة أو التجربة والباري تعالى غير مدرك بهذه الأصول التي يرجع إليها العقل في برهانه وحينئذ يصح له البرهان الوجودي فكيف يدعي العاقل أنه قد علم ربه من جهة الدليل وأن الباري معلوم له ولو نظر إلى المفعولات الصناعية والطبيعية والتكوينية والانبعاثية والإبداعية ورأى جهل كل واحد منها بفاعله لعلم أن الله تعالى لا يعلم بالدليل أبدا لكن يعلم أنه موجود وإن العالم مفتقر إليه افتقارا ذاتيا لا محيص له عنه ألبتة قال الله تعالى ' يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد فمن أراد أن يعرف لباب التوحيد فلينظر في الآيات الواردة في التوحيد من الكتاب العزيز الذي وحد بها نفسه فلا أحد أعرف من الشيء بنفسه فلتنظر بما وصف نفسه وتسأل الله تعالى أن يفهمك ذلك فستقف على علم إلهي لا يبلغ إليه عقل بفكره أبد الآباد وسأورد من هذه الآيات في الباب الذي يلي هذا الباب شيأ يسيرا والله يرزقنا الفهم عنه آمين ويجعلنا من العالمين الذين يعقلون آياته .
Page 138