185

Al-Futūḥāt al-Makkiyya fī maʿrifat al-asrār al-malikiyya

الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418هـ- 1998م

Publisher Location

لبنان

تنبيه عصمة من قال الإله له . . . كن فاستوى كائنا والقوم إشهاد اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه إن الإشارة عند أهل طريق الله تؤذن بالبعد أو حضور الغير قال بعض الشيوخ في محاسن المجالس الإشارة نداء على رأس البعد وبوح بعين العلة يريد أن ذلك تصريح بحصول المرض فإن العلة مرض وهو قولنا أو حضور الغير ولا يريد بالعلة هنا السبب ولا العلة التي اصطلح عليها العقلاء من أهل النظر وصورة المرض فيها أن المشير غاب عنه وجه الحق في ذلك الغير ومن غاب عنه وجه الحق في الأشياء تمكنت منه الدعوى والدعوى عين المرض وقد ثبت عند المحققين أنه ما في الوجود إلا الله ونحن وإن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به ومن كان وجوده بغيره فهو في حكم العدم والإشارة قد ثبتت وظهر حكمها فلابد من بيان ما هو المراد بها فاعلم أن الله عز وجل لما خلق الخلق خلق الإنسان أطوارا فمنا العالم والجاهل ومنا المنصف والمعاند ومنا القاهر ومنا المقهور ومنا الحاكم ومنا المحكوم ومنا المتحكم ومنا المتحكم فيه ومنا الرئيس والمرؤوس ومنا الأمير والمأمور ومنا الملك والسوقة ومنا الحاسد والمحسود وما خلق الله أشق ولا أشد من علماء الرسوم على أهل الله المختصين بخدمته العارفين به من طريق الوهب الإلهي الذين منحهم أسراره في خلقه وفهمهم معاني كتابه وإشارات خطابه فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل عليهم السلام ولما كان الأمر في الوجود الواقع على ما سبق به العلم القديم كما ذكرناه عدل أصحابنا إلى الإشارات كما عدلت مريم عليها السلام من أجل أهل الإفك والإلحاد إلى الإشارة فكلامهم رضي الله عنهم في شرح كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إشارات وإن كان ذلك حقيقة وتفسير المعانية النافعة ورد ذلك كله إلى نفوسهم مع تقريرهم إياه في العموم وفيما نزل فيه كما يعلمه أهل اللسان الذين نزل ذلك الكتاب بلسانهم فعم به سبحانه عندهم الوجهين كما قال تعالى ' سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ' يعني الآيات المنزلة في الآفاق وفي أنفسهم فكل آية منزلة لها وجهان وجه يرونه في نفوسهم ووجه آخر يرونه فيما خرج عنهم فيسمون ما يرونه في نفوسهم إشارة ليأنس الفقيه صاحب الرسوم إلى ذلك ولا يقولون في ذلك أنه تفسير وقاية لشرهم وتشنيعهم في ذلك بالكفر عليه وذلك لجهلهم بمواقع خطاب الحق واقتدوا في ذلك بسنن الهدى فإن الله كان قادرا على تنصيص ما تأوله أهل الله في كتابه ومع ذلك فما فعل بل أدرج في تلك الكلمات الإلهية التي نزلت بلسان العامة علوم معاني الاختصاص التي فهمها عباده حين فتح لهم فيها بعين الفهم الذي رزقهم ولو كان علماء الرسوم ينصفون لاعتبروا في نفوسهم إذا نظروا في الآية بالعين الظاهرة التي يسلمونها فيما بينهم فيرون أنهم يتفاضلون في ذلك ويعلو بعضهم على بعض في الكلام في معنى تلك الآية ويقر القاصر بفضل غير القاصر فيها وكلهم في مجرى واحد ومع هذا الفضل المشهود لهم فميا بينهم في ذلك ينكرون على أهل الله إذا جاؤوا بشيء مما يغمض عن إدراكهم وذلك لأنهم يعتقدون فيهم أنهم ليسوا بعلماء وأن العلم لا يحصل إلا بالقلم المعتاد في العرف وصدقوا فإن أصحابنا ما حصل لهم ذلك العلم إلا بالتعلم وهو الإعلام الرحماني الرباني قال تعالى ' اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ' فإنه القائل ' أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون ' وقال تعالى ' خلق الإنسان علمه البيان ' فهو سبحانه معلم الإنسان فلا نشك أن أهل الله هم ورثة الرسل عليهم السلام والله يقول في حق الرسول ' وعلمك ما لم تكن تعلم ' وقال في حق عيسى ' ونعلمه الكتاب والحكمة والتوزراة والإنجيل ' وقال في حق خضر صاحب موسى عليه السلام ' وعلمناه من لدنا علما ' فصدق علماء الرسوم عندنا فيما قالوا إن العلم لا يكون إلا بالتعلم وأخطؤا في اعتقادهم إن الله لا يعلم من ليس بنبي ولا رسول يقول الله ' يؤتي الحكمة من يشاء ' وهي العلم وجاء بمن وهي نكرة ولكن علماء الرسوم لما آثروا الدنيا على الآخرة وآثروا جانب الخلق على جانب الحق وتعودوا أخذ العلم من الكتب ومن أفواه الرجال الذين من جنسهم ورأوا في زعمهم أنهم من أهل الله بما علموا وامتازوا به عن العامة حجبهم ذلك عن أن يعلموا أن لله عبادا تولى الله تعليمهم في سرائرهم بما أنزله في كتبه ولعى ألسنة رسله وهو العلم الصحيح عن العالم المعلم الذي لا يشك مؤمن في كمال علمه ولا غير مؤمن فإن الذين قالوا إن الله لا يعلم الجزئيات ما أرادوا نفي العلم عنه بها وإنما قصدوا بذلك أنه تعالى لا يتجدد له علم بشيء بل علمها مندرجة في علمه بالكليات فأثبتوا له العلم سبحانه مع كونهم غير مؤمنين وقصدوا تنزيهه سبحانه في ذلك وإن أخطؤا في التعبير عن ذلك فتولى الله بعنايته لبعض عباده تعليمهم بنفسه بإلهامه وإفهامه إياهم ' فألهمها فجورها وتقواها ' في أثر قوله ' ونفس وما سواها ' فبين لها الفجور من التقوى إلهاما من الله لها لتجتنب الفجور وتعمل بالتقوى كما كان أصل تنزيل الكتاب من الله على أبنيائه كان تنزيل الفهم من الله على قلوب بعض المؤمنين به فالأنبياء عليهم السلام ما قالت على الله ما لم يقل لها ولا أخرجت ذلك من نفوسها ولا من أفكارها ولا تعملت فيه بل جاءت به من عند الله كما قال تعالى ' تنزيل من حكيم حميد وقال فيه أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإذا كان الأصل المتكلم فيه من عند الله لا من فكر الإنسان ورويته وعلماء الرسوم يعلمون ذلك فينبغي أن يكون أهل الله العاملون به أحق بشرحه وبيان ما أنزل الله فيه من علماء الرسوم فيكون شرحه أيضا تنزيلا من عند الله على قلوب أهل الله كما كان الأصل وكذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا الباب ما هو إلا فهم يؤتيه الله من شاء من عباده في هذا القرآن فجعل ذلك عطاء من الله يعبر عن ذلك العطاء بالفهم عن الله فأهل الله أولى به من غيرهم فلما رأى أهل الله أن الله قد جعل الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر من علماء الرسوم وأعطاهم التحكم في الخلق بما يفتون به وألحقهم بالذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون وهم في إنكارهم على أهل الله يحسبون أنهم يحسنون صنعا سلم أهل الله لهم أحوالهم لأنهم علموا من أين تكلموا وصانوا عنهم أنفسهم بتسميتهم الحقائق إشارات فإن علماء الرسوم لا ينكرون الإشارات فإذا كان في غد يوم القيامة يكون الأمر في الكل كما قال القائل : سله وهو العلم الصحيح عن العالم المعلم الذي لا يشك مؤمن في كمال علمه ولا غير مؤمن فإن الذين قالوا إن الله لا يعلم الجزئيات ما أرادوا نفي العلم عنه بها وإنما قصدوا بذلك أنه تعالى لا يتجدد له علم بشيء بل علمها مندرجة في علمه بالكليات فأثبتوا له العلم سبحانه مع كونهم غير مؤمنين وقصدوا تنزيهه سبحانه في ذلك وإن أخطؤا في التعبير عن ذلك فتولى الله بعنايته لبعض عباده تعليمهم بنفسه بإلهامه وإفهامه إياهم ' فألهمها فجورها وتقواها ' في أثر قوله ' ونفس وما سواها ' فبين لها الفجور من التقوى إلهاما من الله لها لتجتنب الفجور وتعمل بالتقوى كما كان أصل تنزيل الكتاب من الله على أبنيائه كان تنزيل الفهم من الله على قلوب بعض المؤمنين به فالأنبياء عليهم السلام ما قالت على الله ما لم يقل لها ولا أخرجت ذلك من نفوسها ولا من أفكارها ولا تعملت فيه بل جاءت به من عند الله كما قال تعالى ' تنزيل من حكيم حميد وقال فيه أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وإذا كان الأصل المتكلم فيه من عند الله لا من فكر الإنسان ورويته وعلماء الرسوم يعلمون ذلك فينبغي أن يكون أهل الله العاملون به أحق بشرحه وبيان ما أنزل الله فيه من علماء الرسوم فيكون شرحه أيضا تنزيلا من عند الله على قلوب أهل الله كما كان الأصل وكذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا الباب ما هو إلا فهم يؤتيه الله من شاء من عباده في هذا القرآن فجعل ذلك عطاء من الله يعبر عن ذلك العطاء بالفهم عن الله فأهل الله أولى به من غيرهم فلما رأى أهل الله أن الله قد جعل الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر من علماء الرسوم وأعطاهم التحكم في الخلق بما يفتون به وألحقهم بالذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون وهم في إنكارهم على أهل الله يحسبون أنهم يحسنون صنعا سلم أهل الله لهم أحوالهم لأنهم علموا من أين تكلموا وصانوا عنهم أنفسهم بتسميتهم الحقائق إشارات فإن علماء الرسوم لا ينكرون الإشارات فإذا كان في غد يوم القيامة يكون الأمر في الكل كما قال القائل :

سوف ترى إذا انجلى الغبار . . . افرس تحتك أم حمار كما يتميز المحقق من أهل الله من المدعى في الأهلية غدا يوم القيامة قال بعضهم :

Page 352