115

ذكر وقعة مرج الصفر[ (1) ]آخر وقعة أجنادين

قال: فنادى خالد بن الوليد في المسلمين وركبوا وركب معهم خالد بن الوليد وسار في المسلمين نحو ذلك الجيش الذي وصفه الجاسوس، فإذا هو بصليبين للروم، تحت كل صليب عشرة آلاف فارس بموضع يقال له: مرج الصفر[ (1) ].

قال: ثم حمل خالد وحمل المسلمون معه على جميع الكفار، فقتل منهم خلق كثير، ولم يقتل من المسلمين رجل واحد ولا جرح منهم فارس ولا راجل[ (2) ].

قال: فأسر منهم خالد مائة وعشرين رجلا وفيهم بطريق عظيم الشأن يقال له: قسطا، فأتي به إلى خالد بن الوليد حتى أوقف بين يديه، فقال له خالد: أسلم وإلا ضربت عنقك، فتكلم البطريق بالرومية وقال: إني غير داخل في دينك فاصنع ما بدا لك، قال خالد: ما يقول هذا الكلب؟فقال بعض الجواسيس: إنه يقول أيها الأمير كذا وكذا، قال: فقدمه خالد فضرب عنقه وأعناق الأسرى جميعهم فما أبقى على واحد منهم، ورجع إلى باب دمشق كما كان.

قال: وجعل المسلمون يغيرون على أطراف دمشق فكلما أصابوا نفلا أتوا به في المقسم[ (3) ]، فلم يستحل أحد أن يغل[ (4) ]شيئا حتى إن الرجل من المسلمين كان ربما أتي بكبة[ (5) ][من]غزل وبكبة من الصوف والشعر والإبرة والمسلة وما فوق ذلك فيسلمه إلى صاحب المقسم. قال: وبلغ ذلك بطريق دمشق الذي هو مقيم بها وكان اسمه القنفلان فجعل يعجب من المسلمين ومن أمانتهم وعدلهم وحسن سيرتهم، ثم أقبل على من كان عنده من البطارقة بدمشق فقال: ألا ترون إلى أمنة هؤلاء القوم وعفافهم، ليس فيهم أحد يستحل أن يأخذ من غنائمنا شيئا دون الآخر، فقال له [ (1) ]بالأصل: الصفرا. ومرج الصفر واحد من مروج غوطة دمشق. والمرج الموضع الذي ترعى فيه الدواب. والصفر: بضم أوله وفتح الفاء المشددة.

[ (2) ]كذا بالأصل. وفي فتوح البلدان ص 125 جرح من المسلمين زهاء أربعة آلاف. وفي فتوح الأزدي ص 96 أن قتلاهم كانوا خمسمئة في المعركة، وقد قتلوا وأسروا نحوا من خمسمئة أخرى.

وانظر في تاريخ خليفة ص 120 وفتوح البلدان ص 125 أسماء بعض من قتل من المسلمين.

[ (3) ]في فتوح الأزدي: في القبض.

[ (4) ]غل: من الغلول يعني الخيانة في الغنيمة. والسرقة من الغنيمة. قال ابن الأثير: وكل من خان في شيء خفية فقد غل (اللسان) .

[ (5) ]كذا بالأصل، وصوابه الجبة، وهي الثوب.

Page 119