127

وهو "الظاهر " بتغير الأحكام والأحوال ، " والباطن " بالتدبير ، " وهو بكل شيء عليم * (77-ب) فهو على كل شيء شهيد، ليعلم عن شهود لا عن فكر .

فكذلك علم الأذواق لا عن فكر(1) وهو العلم الصحيح وما عداه فحدس وتخمين ليس بعلم أصلا . ثم كان لأيوب عليه السلام ذلك الماء شرابا لإزالة ألم العطش الذي هو من النصب والعذاب الذي مسه به الشيطان، أي البعد عن الحقائق أن يدركها على ما هي عليه فيكون بإدراكها في محل القرب . فكل مشهود قريب من العين ولو كان بعيدا بالمسافة . فإن البصر يتصل به من حيث شهوده ولولا ذلك لم يشهده أو يتصل المشهود بالبصر كيف كان . فهو قرب بين البصر والمبصر. ولهذا كنى أيوب في المس، فأضافه إلى الشيطان مع قرب المس فقال البعيد مني قريب لحكمه(2) في وقد علمت أن البعد والقرب أمران إضافيان، فهما نسبتان لا وجود هما في العين مع ثبوت أحكامها في البعيد والقريب . واعلم أن سر الله في أيوب الذي جعله(3) عبرة لنا وكتابا مسطورا حاليا(4) تقرؤه هذه الأمة المحمدية لتعلم ما فيه فتلحق بصاحبه تشريفا لها . فأثنى الله عليه-أعني على أيوب- بالصبر مع دعائه في رفع الضر عنه .

فعلمنا أن العبد إذا دعا الله في كشف الضر عنه لا يقدح في صبره وأنه صابر وأنه نعم العبد كما قال تعالى "إنه أواب* أي رجاع إلى الله لا إلى الأسباب ، والحق يفعل عند ذلك بالسبب لأن العبد يستند(5) إليه ، إذ الأسباب المزيلة لأمر ما كثيرة والمسبب واحد العين . فرجوع العبد إلى الواحد العين المزيل بالسبب ذلك الألم أولى من الرجوع إلى سبب خاص (78-1) ربما لا يوافق(6) علم الله فيه ، فيقول إن الله لم

Page 173