Fusul Min Falsafa Siniyya
فصول من الفلسفة الصينية: مع النص الكامل لكتاب الحوار لكونفوشيوس وكتاب منشيوس
Genres
مرحلة الإنسان الغرائزي المحكوم بميلين فطريين هما الشهوة إلى الطعام والشهوة إلى الجنس. وفي هذه المرحلة يسلك المرء مدفوعا بغرائزه دون تفكر في عمله أو تقييم خلقي لما يقوم به، وتكون المنفعة الشخصية دوما نصب عينيه. (2)
مرحلة الإنسان الاجتماعي. في هذه المرحلة يكتشف المرء أن طبيعته تتكون من طبيعتين لا واحدة؛ الأولى: يشترك فيها مع الحيوان، وبالتالي هي طبيعة حيوانية لا إنسانية. والثانية: هي طبيعته الإنسانية التي إذا تعهدها بالرعاية تحول إلى إنسان طيب يعي مصالح الآخرين مثلما يعي مصالحه الخاصة، ولا يسعى لمصلحة تضر بالآخرين. (3)
مرحلة الإنسان المتسامي الذي يعي أن فوق المجتمع هنالك مستوى آخر للوجود يحتوي على المجتمع ويتجاوزه وهو الكون، أو السماء التي هي القوة الأخلاقية العظمى. وهذا الوعي هو ما يدعوه منشيوس بمعرفة السماء. ومن يعرف السماء ويتطابق معها يغدو مواطنا كونيا أو سماويا. وبذلك يكون منشيوس قد رفع الحاجز بين الأرض والسماء وبين القدر والطبيعة الإنسانية، وفتح قناة اتصال بين الجوهر الإنساني والسماء.
الفصل الخامس
لاو تسو، المعلم الأول
سيرته وكتابه
تبدأ الفلسفة الصينية بالمعلم الأول لاو تسو، ومع ذلك فإن الضباب يلف شخصية هذا المعلم، وكل ما استطاع قدامى المؤرخين قوله بشأنه هو أنه عاش حياة مديدة بين أواسط القرن السادس وأواسط القرن الخامس قبل الميلاد؛ أي قبل نحو قرن من سقراط المعلم الأول للفلسفة اليونانية. ولدينا خبر عن لقاء جمعه مع كونفوشيوس الأصغر منه سنا، والذي قصده عندما كان يعمل قيما على أرشيف القصر الملكي في عاصمة دولة تشو. وقد صاغ كونفوشيوس انطباعه عن ذلك اللقاء بالكلمات المؤثرة التالية: «أعرف أن الطيور تحلق في الأجواء، والسمك يسبح في الماء، والدبابات تدب على اليابسة. وأعرف أن ما يدب على الأرض يمكن الإيقاع به، وأن ما يسبح في الماء يمكن اصطياده بشص، وما يطير في الأجواء يمكن ملاحقته بسهم. ولكن هناك التنين الذي لا أعرف كيف يمتطي الرياح ويناطح السحاب فيصعد إلى السماء. اليوم رأيت لاو تسو ولا أستطيع مقارنته إلا بالتنين.»
أما عن باقي التفاصيل في حياة لاو تسو، فلا نعرف سوى أنه ترك عمله في القصر بعد أن ساءت أحوال الأسرة المالكة وسادت الاضطرابات في الدولة. وعند بوابة المدينة طلب منه رئيس تحرير الحرس أن يخط كتابا يلخص فيه حكمته، فجلس وأنجز كتاب التاو تي تشينغ، ثم اختفى ولم يسمع به أحد بعد ذلك؛ فلقد كان لاو تسو، على حد وصف أحدهم، شخصية فذة متفوقة، ولكنه أحب أن يبقي نفسه مجهولا.
كلمة «تشينغ» في عنوان الكتاب تعني كتابا كلاسيكيا، وال «تاو» هو المبدأ الأول على ما سنشرح بعد قليل، وال «تي» هي قوته. هذا الكتاب الكلاسيكي هو أقصر كتاب فلسفي في تاريخ الثقافة الإنسانية؛ فهو يتألف من خمسة آلاف شارة كتابية صينية، تكفي اليوم لكتابة مقالة في صحيفة يومية، ولكنه احتوى على فلسفة لاو تسو كلها، والسبب في ذلك أنه اعتمد أسلوبا مكثفا ومختصرا حتى بالنسبة إلى اللغة الصينية القديمة التي دون بها، والتي تتميز عن الصينية الحديثة (لغة المندارين) بشدة إيجازها؛ وهذا ما جعل منه نصا إشكاليا على درجة كبيرة من الغموض.
أخذ الكتاب بالانتشار في الثقافة العالمية منذ أن قدمت له ترجمة لاتينية إلى الجمعية الملكية بلندن عام 1788م. وبحلول عام 1844م كان مترجما إلى الفرنسية والإنكليزية، وورد ذكره في بعض مؤلفات الفيلسوفين الألمانيين هيجل وشوبنهاور. أما الفيلسوف الألماني الثالث هايدجر (1889-1976م) فقد طور خلال النصف الثاني من حياته منهجا فلسفيا يقوم على الأفكار الرئيسية للتاو تي تشينغ. وخلال القرن العشرين تتالى ظهور ترجماته إلى اللغات الأوروبية لا سيما إلى الإنكليزية. وإلى اللغة العربية صدرت في دمشق ترجمة للباحث العراقي الهادي العلوي، وأخرى في القاهرة للباحث علاء ديب، إضافة إلى ترجمتي التي صدرت عام 1998م مع مقدمة عن الفلسفة الصينية وشروح وافية على المتن. وقد اعتمدت في ترجمتي على أربعة نصوص لباحثين صينيين مرموقين، فجاءت صياغة عربية للكتاب أكثر منها ترجمة عن نص واحد. وفي عام 2008م صدر كتابي هذا بطبعة جديدة في الصين عن دار النشر باللغات الأجنبية في بكين، بعد أن قام الباحث الصيني المستعرب د. شوي تشينغ قوه بمراجعة ترجمتي على الأصل الصيني ، واتفقنا على إدخال تعديلات طفيفة عليها.
Unknown page