81

Fusul Gharawiyya

الفصول الغروية في الأصول الفقهية

Publication Year

1404 AH

حصوله إن كان مطلوبا فهو أمر خارج عن كونه مطلوبا منه وإنما هو حامل على الطلب فالواجب النفسي ما يكون المطلوب من المكلف في إيجاده نفسه دون توصله به إلى غيره والواجب الغيري ما يكون التوصل به إلى غيره مطلوبا من المكلف فاتضح وجه الخصوصية أيضا وإنما قيدنا المطلوب بقولنا عن المكلف احترازا عن الغايات المطلوبة في التكليف إذا لم تكن مطلوبة من المكلف إذ لا يناط الفرق بها ولا بد أن تعتبر الحيثية في الحدين لئلا ينتقضا بصورة الاجتماع ثم هل يعتبر في وقوع الواجب الغيري على صفة وجوبه أن يترتب عليه فعل الغير أو الامتثال به وإن لم يقصد به ذلك أو يعتبر قصد التوصل إليه أو إلى الامتثال به وإن لم يترتب عليه أو يعتبر الأمران أو لا يعتبر شئ منهما وجوه والتحقيق من هذه الوجوه هو الوجه الأول لان مطلوبية شئ للغير يقتضي مطلوبية ما يترتب ذلك الغير عليه دون غيره لما عرفت من أن المطلوب فيه المقيد من حيث كونه مقيدا وهذا لا يتحقق بدون القيد الذي هو فعل الغير وأما القصد فلا يعقل له مدخل في حصول الواجب وإن اعتبر في الامتثال به نعم إن كان عبادة وكان مطلوبيتها من حيث كونها للغير فقط اعتبر فيه ذلك كما في الوضوء والغسل بناء على نفي رجحانهما الذاتي ويظهر الثمرة فيما لو وجب عليه الدخول في ملك الغير بغير إذنه لانقاذ غريق يتوقف عليه فدخله لغير ذلك فبدا له فأنقذه وكذا الحال فيما لو نذر أن لا يدخله حيث ينعقد فيه النذر أو حلف أو عاهد عليه فعلى ما حققناه ليس عليه معصية الغصب والحنث وإنما عليه معصية التجري بيان ذلك أن التصرف في الفرض المذكور يقع تارة واجبا وهو ما إذا ترتب عليه الانقاذ وأخرى حراما وهو ما إذا لم يترتب عليه ذلك فإذا علم من نفسه أن الذي يرتكبه من نوع الواجب وصادف الانقاذ فلا إشكال وإن علم أنه من نوع الحرام حرم عليه الاقدام فإن أقدم والحال هذه فإن لم ينكشف الخلاف بأن لم يترتب عليه الانقاذ كان ما أتى به حراما وإلا كان واجبا وعصى بالتجري فقط كمن تصرف في ماله على أنه مال غيره أو أتى زوجته على أنها أجنبية إلى غير ذلك هذا إذا قلنا بأن المتجري إنما يعصي بعزمه المقرون بالعمل ولو قلنا بأنه يعصي بعمله كما هو الظاهر أمكن اعتبار الثمرة في جهة التحريم والتحقيق أن الوجوب على هذا التقدير مقصور على تقدير العلم أو الظن بالانقاذ لانتفاء الوجوب بطريان التحريم ولو من جهة التجري لتضاد الاحكام فيرتفع المانع من ثبوت تحريمه الأصلي وأما لو أتى بالواجب الغيري للامتثال بالغير ولم يترتب عليه اختيارا كما لو نقض عزمه أو اضطرارا كما لو طرأ مانع عقلي أو شرعي لم يمتثل به من حيث كونه واجبا في الواقع نعم يمتثل في الصورة الثانية من حيث إنه ظنه واجبا وبعبارة أخرى يمتثل التكليف الظاهري ويترتب عليه آثاره من المدح و الثواب دون الواقعي فامتثاله في هذا الفرض على حد عصيانه في الفرض السابق وأما في الصورة الأولى فلا ريب في عدم استحقاقه المدح والثواب بشهادة العقل والعادة وإلى هذا ينظر قولهم بأن الأجير على الحج من البلدان قطع المسافة وفاته الحج لموت وشبهه استحق أجرة القطع بالنسبة وإن تركه متعمدا لم يستحق شيئا وهل ذلك حبط لعمله السابق أو كاشف عن عدم مطلوبيته بحسب الظاهر أيضا لكونه مراعى بعدم ترك ذي المقدمة اختيارا وجهان وعلى ما قررنا فمن نذر أن يغتسل غسل الزيارة فاغتسل لها ثم بدا له فلم يزر أو منعه مانع منها لم تبرأ ذمته وكذا لو نذر أن يصلي ركعة غير الوتر انعقد نذره لو اعتبرها لا بشرط الوحدة ووجب عليه من باب المقدمة أن يأتي بالركعة الأخرى لتقع الركعة راجحة شرعا فإذا أتى بالركعة ثم بدا له قطع الصلاة فقطعها أو فاجأه بعض القواطع لم تبرأ ذمته إلى غير ذلك وذلك لان مطلوبية الغسل في الفرض الأول و الركعة في الفرض الثاني إنما هي للغير أعني الزيارة في الأول و المجموع في الثاني وعلى تقدير عدم حصوله ينكشف عدم المطلوبية فلا يقع المنذور وهذا مبني على ما هو الظاهر من لفظ الغسل والركعة ونظائرهما أعني الصحيح الذي تعلق به الطلب الواقعي ولو أراد به مطلق الراجح منها ولو في الظاهر برئت ذمته بالمذكور في غير صورة العمد ووجهه ظاهر ومما يتفرع أيضا على ما حققناه مسألة التيمم في سعة وقت الفريضة لغاية غيرها بناء على مراعاة التضييق فإنه إذا لم يترتب عليه الغاية كشف عن بطلانه فيبطل الفريضة أن صلاها به ولو في آخر وقتها و كذا لو تيمم للفريضة عند ضيق وقتها ففاتته نعم لو ترتب على تيممه في المقامين غاية كان تيممه حين وقوعه مطلوبا لها أيضا صح و جاز الدخول به في غاياته المتأخرة إذ قصد الغاية بالمقدمة غير معتبر في مطلوبيتها كما بيناه ويكفي في انعقاد العبادة مطلوبيتها واقعا مع قصد القربة بها فقد اتضح ما قررنا أن الواجب الغيري إذا لم يترتب عليه فعل الغير جاز أن يتصف بغير الوجوب من سائر الأحكام حتى الحرمة لانتفاء الوجوب المضاد لها حينئذ واحفظ هذا فإنه ينفعك في بعض المباحث الآتية واعلم أن الراجح للغير يستدعي عقلا رجحان الغير بالاعتبار الذي رجح له ويكون رجحانه على حد رجحانه إن واجبا فواجبا وإن مندوبا فمندوبا على اختلاف مراتبهما ضعفا وقوة وهذا عند التأمل مما لا خفاء فيه وأما رجحان غسل اليدين للاكل ووضوء الجنب للنوم من غير فرق بين أن يكون الاكل والنوم راجحين أو مرجوحين فغير مناف لذلك لان الاكل و النوم إذا وقعا مسبوقين بالغسل والوضوء تجردا عن وصف منقصة و مرجوحية لهما على تقدير وقوعهما بدونهما فالغسل والوضوء راجحان للتخلص عن تلك المنقصة والمرجوحية وكذلك كل فعل أوجب تخفيفا في كراهة فعل آخر فإنه يكون راجحا لذلك كمضمضة الجنب استنشاقه للاكل والشرب الموجبين لتخفيف كراهتهما إلى غير ذلك وبالجملة فكما أن التخلص عن المرجوحية راجح كذلك التخلص عن تأكد المرجوحية راجح واعلم أيضا أن الواجب النفسي قد يكون وجوبه لفائدة التهيؤ والاستعداد لواجب آخر مشروط بشرط غير حاصل فيجوز أن يكون

Page 81