بعد ترك البدار ولا على عدمه لا يقال تخصيص الذم بترك السجود وقت الامر أو مع الملائكة يقتضي تعيين الوجه الأول وإلا لكان المناسب تعميمه لكونه أدخل في التشنيع عليه لأنا نقول هذا إنما يتم إذا ثبت تأخر وقوع الذم عن زمن المخالفة وهو ممنوع لجواز المقارنة ومنها الدليل العقلي وهو إنما يساعد على عدم جواز الرخصة في تأخير الواجب إلى وقت غير معين وأما بقاء التكليف بالفعل بعد التأخير وعدمه فمما لا دلالة له عليه ومنها إيتاء المسارعة و الاستباق وهما إنما تدلان على وجوب المسارعة إلى فعل الواجب ما دام باقيا على وجوبه لكونه حينئذ من أسباب المغفرة ومن جملة الخيرات لا مطلقا ولا دلالة لهما على بقائه بعد التأخير ولا على سقوطه نعم من اعتمد على هذه الوجوه مما عدا الوجه الأول في إثبات الفور ولم يعول على غيرها من الأدلة المفيدة للسقوط لزمه القول بعدم السقوط عملا بإطلاق الامر ومن حججهم ما يفيد بظاهره البقاء على تقدير تسليمه وهو قياسه بالنهي بناء على أن النهي يفيد الدوام فيصح أن يقاس الامر حينئذ على النهي في دلالته على الفور وعدم سقوط التكليف به على تقدير المخالفة وإن لم يلتزم ببقائه على تقدير عدمها نظرا إلى وجود المعارض وفيه إشكال ينشأ من أن عدم السقوط في النهي إنما كان متفرعا على ثبوت الدوام فيه فيبعد الالحاق بعد تسليم عدم المساواة في العلة وأما على ما حكي عن الشيخ في العدة من مصيره إلى منع دلالة النهي على الدوام مع قوله بدلالته على الفور فالحجة المذكورة ناهضة على القول بعدم البقاء إن التزم في النهي بالسقوط وعلى البقاء إن التزم فيه بعدم السقوط وكذلك الحال في احتجاجهم بأن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده ويعرف بالقياس إلى ما سبق ومن حججهم ما يفيد عدم البقاء و هو إلحاقه بالأعم الأغلب فإن الالحاق إنما يثبت الفورية إذا لم يتضمن الامر الأزمنة المتأخرة وإلا لاحتمل ثبوت الحكم فيها على سبيل التخيير فلا يتم التقريب وكذا الاحتجاج بالوجه الثامن إلا أنه لا إشارة إليه في كلامهم وأما ما زعمه صاحب المعالم من أن من اعتمد في استدلاله على الفور على غير الآيتين المأمور فيهما بالمسارعة و الاستباق فلا مفر له من القول بالسقوط بعد التأخير ومن اعتمد عليهما فله أن يقول بعدم السقوط فواضح الضعف والسقوط مما قررناه ثم اعلم أن من قال بأن الامر للتكرار يلزمه القول بالفورية بالنسبة إلى الفرد الأول قطعا وكذا بالنسبة إلى ما قاربه من الافراد إن بقي صدق الفورية عرفا ويلزمه القول بالتراخي بالنسبة إلى غيرها إن فسرت الفورية بالزمن الثاني من ورود الخطاب وأما إذا فسرت بأول أزمنة الامكان أو بالزمن الثاني من وقوع مؤدى الخطاب الفعلي و جعل التكليف باللاحق مشروطا بحضور زمانه تحققت الفورية بالنسبة إلى الجميع وربما أمكن أن يعتبر الفورية على الوجه الأول بالنسبة إلى المجموع أيضا نظرا إلى أنها تصدق إذا تحققت بالنسبة إلى الفرد الأول ولحقته بقية الافراد كما يصدق على العمل المتكثر الأجزاء إذا جي بجز منه فورا وتوبع بالأجزاء الاخر أو يقال الزمن الثاني من الخطاب هو الزمن الذي يوقع فيه الفعل على الوجه الذي أمر به فيدخل زمن التكرار فيه وأما على مذهب الآخرين فلا يتعين عليهم شئ من الأقوال تمهيد مقال لتوضيح حال ينقسم الواجب ببعض الاعتبارات إلى مطلق ومشروط فالمطلق منه ما لا يتوقف وجوبه بعد حصول شرائط التكليف من البلوغ والعقل و العلم والقدرة على شئ كالمعرفة وإنما اعتبرنا الاطلاق بعد التقييد بتلك الأمور لامتناع الاطلاق بالنسبة إليها عقلا أو شرعا ويقابله المشروط وهو ما يتوقف وجوبه على غيرها كالحج وقد يطلق الواجب المطلق ويراد به ما لا يتوقف تعلقه بالمكلف على حصول أمر غير حاصل سواء توقف على غير ما مر وحصل كما في الحج بعد الاستطاعة أو لم يتوقف كما مر وهو بهذا المعنى محل النزاع في المبحث الآتي ويقابله المشروط وهو ما يتوقف تعلقه بالمكلف على حصول أمر غير حاصل والنسبة بين كل من المطلقين ومشروطه تباين وبين كل منهما وكل من الآخرين عموم من وجه وقد يعتبر الاطلاق والتقييد بالنسبة إلى شئ معين فيقال الحج واجب مشروط بالنسبة إلى الاستطاعة ومطلق بالنسبة إلى شراء الزاد والراحلة فالواجب بالنسبة إلى سببه التام أو الجز الأخير منه لا يكون إلا مطلقا لئلا يلزم إيجاب الشئ بشرط وجوبه فإنه يعد سفها قطعا وأما بالنسبة إلى غيره من المقدمات فيجوز أن يكون مطلقا وأن يكون مشروطا وحينئذ فهل الأصل في الامر المطلق أي المجرد عن التقييد بالشرط أن يكون مطلقا أو يتوقف بينه وبين أن يكون مشروطا قولان الأكثر على الأول وهو المختار وذهب السيد إلى الثاني لنا أن الظاهر من الامر المطلق هو الاطلاق بشهادة الاعتبار والاستعمال أ لا ترى أن السيد إذا أمر عبده بأمر فتركه نظرا إلى احتمال أن يكون مشروطا بشئ ذمه العقلا معللين ذمه بمخالفته لظاهر الامر و إطلاقه احتج السيد بأن الامر يستعمل تارة في الاطلاق وأخرى في التقييد فيشترك بينهما فلا بد في التعيين من قرينة والجواب أن مجرد الاستعمال لا يوجب الاشتراك إن أراد به الاشتراك اللفظي كما هو الظاهر من كلامه وقد سبق تحقيقه وإن أراد به الاشتراك المعنوي فلا نسلم أنه يتساوى بالنسبة إلى فرديه حال الاستعمال بل ينصرف عند الاطلاق إلى الاطلاق كغيره من أنواع المطلق على ما يشهد به الاعتبار والاستعمال ومن هنا يتضح أن مطلق الامر موضوع للأعم من القسمين وأنه حقيقة مع كل من الاعتبارين وما يظهر من بعض المعاصرين من مجازيته في التقييد فليس بسديد وسيأتي مزيد بيان لهذا في بعض المباحث الآتية وينقسم باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة وليسم منجزا أو إلى ما يتعلق وجوبه به ويتوقف حصوله على أمر غير مقدور له وليسم معلقا كالحج فإن وجوبه يتعلق بالمكلف من أول زمن الاستطاعة أو خروج الرفقة ويتوقف فعله على مجئ وقته وهو غير مقدور له والفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو أن التوقف هناك للوجوب وهنا للفعل لا يقال إذا توقف فعل الواجب على شئ غير مقدور له امتنع وجوبه قبله وإلا لزم أحد الامرين من عدم توقفه عليه حيث وجب بدونه أو التكليف بالمحال حيث ألزم المكلف بالفعل في زمن يتعذر فيه حصول ما يتوقف عليه لأنا نقول ليس المراد بوجوب الفعل قبل حصول ما يتوقف عليه
Page 79