بالشرع لا وجه له ولعله مبني على مقالة الأشاعرة وأجاب عنه في المعالم بأن النقل المذكور غير ثابت عن أهل اللغة بل صرح بعضهم بخلافه ولا يخفى ما فيه إذ التزام تعدد وضع الامر بالنسبة إلى العالي و غيره مما يأبى عنه الذوق السليم هذا والظاهر أن أهل اللغة أرادوا بالامر والسؤال لفظهما لا صيغة افعل ونظائره صادرة من العالي وغيره إذ ليس شأن اللغويين إلا بيان المواد فلا يكون لما نقل عنهم تعلق بمحل البحث احتج السيد على اشتراكها لغة بين الوجوب والندب باستعمالها في كل منهما والأصل في الاستعمال الحقيقة و على كونه حقيقة في الوجوب فقط في عرف الشرع حمل الصحابة و التابعين أوامر الكتاب والسنة عليه من غير نكير فيهم ثم ادعى إجماع الإمامية على ذلك وجعل نزاعهم في المقام في تعيين المعنى اللغوي فقط والجواب أما عن الأول فبما حققناه سابقا من أن المجاز أولى من الاشتراك على أنا قد بينا في المقام ما يوجب الخروج عن الأصل المذكور على تقدير صحته وأما عن الثاني فبأن حملهم إياها على الوجوب لا يقتضي أن تكون موضوعة للوجوب بخصوصه على ما عرفت تذنيب استشكل بعض متأخري أصحابنا في الحكم بوجوب شئ بمجرد ورود الامر به في أحاديثنا المروية عن الأئمة عليهم السلام نظرا إلى شيوع استعماله في عرفهم في الندب حتى صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها الحقيقة وهذا الاشكال ضعيف لان المجاز لا يكافئ الحقيقة بمجرد الاشتهار ولا سيما إذا كان الاشتهار بالقرينة فإن الوضع يرجح الحقيقة والقرينة توهن أثر الشهرة وشهرة استعمال الامر في الندب في الاخبار المأثورة على تقدير ثبوتها مما لا جدوى فيه ما لم يثبت الاشتهار بحسب الواقع وهو غير واضح لجواز عدم نقل جميع الأوامر الايجابية إلينا بل الاهتمام بشأن الواجبات يقتضي تكرر الامر في شأنها أضعاف ما ورد في المندوبات سلمنا لكن استعمال الامر في الندب بدون قرينة مصحوبة غير ثابت و لو ثبت فنادر جدا وعدم النقل في بعض الموارد لا يقضي بالعدم لجواز الاستغناء عنها بضرورة أو إجماع أو نحوهما ومما يدل على أن الشهرة المذكورة بعد تسليمها ليست بحيث توجب القدح في دلالة الامر على الوجوب أنا لم نقف في أصحاب الحديث والفقهاء على من يستشكل في دلالة الامر على الوجوب مع كونهم من أهل اللسان ووقوفهم على شهرة استعماله في الندب وقد سمعت الاجماع الذي حكيناه عن السيد على أنا نقول إن كانت الشهرة المذكورة عند هذا القائل بحيث يصلح لان تكون قرينة صارفة للامر عن الايجاب إلى الندب تعين عليه أن يلتزم بحمله على الندب ولا وجه لحكمه بمساواة احتماله لاحتمال الايجاب وإلا تعين عليه حمله على الايجاب لان اللفظ لا يعدل عن معناه الحقيقي ما لم يقم قرينة معينة لإرادة معناه المجازي ومجرد احتمالها غير كاف ما لم يثبت والتحقيق أن القرينة قد توجب التردد وعدم الوثوق بالحقيقة فالوجه المنع من حصول الاشتهار المؤدي إلى ذلك كما تقدم ومما يؤكد ما ذكرناه من عدم قدح الشهرة المذكورة في ظهور الامر في الوجوب أن التخصيص قد بلغ في الاشتهار إلى حيث قيل فيه ما من عام إلا وقد خص ومع ذلك لا يتوقف القائل المذكور ولا غيره عن المحققين في دلالته على العموم عند عدم المخصص فاتضح أن مجرد الاشتهار لا ينهض قرينة على المجاز ولا موجب لمكافأته مع الحقيقة ما لم يكن بحيث يساعد عليه طباع أهل الاستعمال ومما قررناه يظهر ضعف الاشكال على الوجه الذي قررناه في الامر أيضا تنبيهات الأول مفاد الامر فرد من الطلب أو الالزام يوقعه الامر والطلب عند التحقيق نفس إرادة الفعل من الغير والالزام نوع منه هذا هو المعروف بين أصحابنا وذهبت الأشاعرة إلى أنه يغاير الإرادة وقد يفارقها وربما ساعدهم بعض المتأخرين على الأول وخالفهم في الثاني لنا أن الضرورة قاضية بعدم الفرق في محصل المعنى بين قولنا أريد منك كذا وبين قولنا أطلب منك كذا أو افعل كذا والمنازع في ذلك مكابر لا يلتفت إليه وإنما قلنا في محصل المعنى لان أريد وأطلب يدلان على مفهوم الإرادة الكلية الملحوظة على الاستقلال وصيغة الامر إنما تدل على ذلك باعتبار كونه آلة لملاحظة حال المادة كما هو الشأن في دلالة الافعال على ما عدا معانيها الحدثية كالزمان و النسبة لكن ذلك لا يوجب الفرق في محصل المعنى احتجت الأشاعرة بأن الامر قد يريد إظهار عذره في عدم طاعة المأمور فيأمره و لا يريد وقوعه منه لمنافاته لغرضه وبصحة قولنا أريد منك الفعل ولا آمرك به وبأنه تعالى أمر الكافر بالايمان ولم يرده منه لامتناعه في حقه والجواب عن الأول أن الامر هناك ليس أمرا حقيقيا بل أمر صوري والاختبار المقصود يتحقق به أيضا حيث إن المأمور لا علم له بحقيقة الامر ولهذا يرى أن الامر يحافظ على عدم اطلاع المأمور على حقيقة الحال لئلا ينتفي غرضه وكما يصح أن يقول حينئذ افعل كذلك يصح أن يقول أريد أو أطلب منك من غير فرق هذا والتحقيق أن الامر هناك أمر حقيقي واطلاع المأمور على غرض الامر لا أثر له ووجهه أن مدلول الامر إرادة إيقاعية أي إرادة ينشؤها الامر و يحدثها ومرجعها إلى إرادة وقوع الفعل من المكلف وهي تغاير إرادة وقوعه منه والفرق أن الظرف متعلق في الأول بالإرادة وفي الثاني بالوقوع وجواز انفكاك إحداهما عن الأخرى واختلاف مصالحهما أمر معلوم بالوجدان فإنا كثيرا ما نريد صدور الفعل من شخص ولا نريده منه وكذا الحال في العكس فليتأمل فإن فيه نوع غموض وخفاء وعن الثاني أن إثبات الإرادة دليل على أن المراد بنفي الامر نفي الالزام كما هو الظاهر منه أو مبني على ما حققناه آنفا وعن الثالث أن الممتنع باختيار المكلف مما يصح إرادته منه والتكليف به مع بقاء اختياره فيه كالواجب بالاختيار وإنما المستحيل إرادة ما امتنع أو وجب بغيره أو ما خرج عن الاختيار و يمكن تقرير الدليل بوجه آخر وهو أنه تعالى لم يرد إيمان الكافر وإلا لامن لامتناع تخلف إرادته عن مقتضاها قال الله تعالى ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم جميعا ومع ذلك فقد أمره بالايمان فيكون الامر غير الإرادة والجواب أن الإرادة على قسمين إرادة تكوينية و إرادة تكليفية وما يمتنع تخلفه عن مقتضاه إنما هو إرادته بالمعنى الأول وهو المراد بالمشية في الآية دون الثاني وتحقيق ذلك أن الإرادة التكوينية راجعة إلى إيجاد الشئ أو إيجاب أسبابه الموجبة له ولو بواسطة اختيار العبد وإرادته تعالى بهذا المعنى مما يمتنع تخلفه عن مراده ولو بواسطة اختيار العبد
Page 68