تقتضي تضمنها الاعراض بالمعنى الأعم أعني صرف النفس عن الامتثال فيتم المقصود إذ كل مخالفة تتضمن الاعراض بهذا المعنى ثم لا نسلم أن الفتنة والعذاب لا يترتبان على ترك المندوب لجواز أن يكون ترك المندوب مكروها ويترتب عليه فتنة أو عذاب دنيوي فيكون الامر بالحذر أمرا ندبيا فإن قيل ظاهر العذاب في مثل المقام هو العذاب في الآخرة ولو سلم فوصفه بالأليم يمحضه لذلك فيثبت به أن الامر للوجوب قلنا سلمنا لكن مخالف الامر لم يوعد بإصابة العذاب فقط بل بأحد الامرين منه ومن إصابة الفتنة وهي مما يجوز أن يترتب على فعل المكروه لا سيما إذا أريد بها الابتلاء ببعض التكاليف الشاقة مع أن من عذاب الآخرة وآلاها ما يترتب على بعض المكروهات بل المباحات أيضا كطول الحساب المترتب على جميع الحلال فلا يقتضي ترتبه على مخالفة الامر تمحضه للوجوب وأيضا لا نسلم أن المقتضي للعذاب إذا لم يكن متحققا لم يحسن الامر بالحذر للقطع بحسن الامر به عند احتمال المقتضي أيضا وهذا كما ترى إنما يرد على بيان الدليل لا عليه لان ظاهر الآية تعليل الامر بالحذر بإصابة الفتنة والعذاب لا باحتمال إصابتهما إذ التقدير كراهة أن تصيبهم وأيضا لا تقتضي الآية أن يكون الامر حقيقة في الوجوب لا لغة ولا شرعا غاية الامر أن تكون قرينة عامة على أن المراد به الوجوب في الشرع وأين أحدهما من الاخر الخامس قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون فإنه ذم على مخالفتهم الامر بالركوع و هو آية الوجوب لا يقال لا نسلم أن الآية ذم لجواز أن يكون لوما وهو يقع على ترك المندوب ولو سلم فلا نسلم أن الذم على ترك المأمور به بل على تكذيب الرسل وعدم الاعتداد بقولهم بدليل قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين ولو سلم فلعل الصيغة عند الخطاب كانت مقرونة بما يفيد الوجوب ولا نزاع على تقديره لأنا نقول المفهوم من مساق الآية أنها ذم وأنه على مجرد مخالفة الامر بالركوع فلا يصغى إلى الاحتمالات المذكورة السادس أن تارك المأمور به عاص وكل عاص متوعد بالعذاب أما الصغرى فلقوله تعالى لا يعصون الله ما أمرهم وقوله تعالى حكاية عن موسى أ فعصيت أمري والمراد بالامر قوله عليه السلام لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح كما يدل عليه الآية السابقة وأما الكبرى فلقوله تعالى ومن يعص الله و رسوله فإن له نار جهنم خالدا فيها فإن من من أداة العموم فيتناول كل عاص ويرد على الصغرى أن الآية الأولى إنما تقتضي كون مخالف الامر عاصيا لا مخالف الصيغة وقد حققنا المغايرة بينهما لغة وعرفا إلا أن يتمسك بأن الامر يطلق على مدلول الصيغة المجردة عن القرائن الصادرة عن العالي لغة وعرفا فيتم به الاحتجاج والآية الثانية إنما تفيد الذم وترتب العصيان على مخالفة الصيغة المذكورة وإطلاق الامر على مدلولها وذلك لا يقتضي إلا مجرد كونها مستعملة في الايجاب ومجرد الاستعمال لا يقتضي الحقيقة ويجري فيه بعض ما مر من المناقشات وعلى الكبرى أن الايعاد بالخلود في النار يوجب تخصيص العصيان بالكفر وشبهه لان فاعل غيره لا يخلد به ومعه لا يثبت المطلوب والجواب عن الكل بعد المساعدة على ما فيها من المقدمات أنها لا تقتضي أن تكون الصيغة موضوعة للايجاب من حيث الخصوصية نعم يقتضي ظهورها فيه عند الاطلاق وهو كذلك كما مر احتج من قال بأنه حقيقة في الندب بقوله صلى الله عليه وآله إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم حيث رد الامر إلى مشيتنا وهو معنى الندب وبأن أهل اللغة قالوا لا فارق بين الامر والسؤال إلا الرتبة والسؤال لا يدل إلا على الندب فيلزم أن لا يدل الامر إلا عليه لئلا يبطل حصر الفرق وأجيب عن الأول بالمنع من رده إلى مشيتنا بل إلى استطاعتنا فيفيد الوجوب و فيه نظر لان الرد إلى الاستطاعة لا دلالة له على كون الامر للوجوب إلا إذا ثبت أن قوله فأتوا للوجوب وهو يفضي إلى الدور بل الصواب أن يقال فلا يفيد الندب أقول ولو سلم أن الاستطاعة حقيقة في المشية أيضا فكلمة ما في الرواية إما أن تكون وقتية أو موصولة أو موصوفة وعلى التقديرين الأخيرين إما أن يراد بها الفرد أو الجز و على التقادير إما أن يكون المراد بالاستطاعة القدرة أو المشية فالاحتمالات عشرة وإن كان صدر الرواية كما سنذكره في مبحث التكرار لا يلائم البعض والاستدلال إنما يتم على الاحتمال الأول و الأخير من الاحتمال الأخير وهو معارض بغيره سلمنا لكن غاية ما تقتضيه الرواية كون الامر للندب وهو غير الصيغة سلمنا لكنه إنما تقتضي كون أمره عليه السلام للندب ولا يقتضي كونه حقيقة فيه حتى يثبت في أمر غيره مع أن سند الرواية غير معتبر فلا يصح الاعتماد عليه وعن الثاني بأن من قال بأن الامر يدل على الايجاب قال بأن السؤال يدل عليه أيضا لان صيغة افعل عنده موضوعة لطلب الفعل مع المنع من الترك لكن الايجاب في الثاني لا يستلزم الوجوب لأنه إنما يثبت بالشرع ولهذا لا يلزم المسؤول القبول واعترض عليه أولا بأن الايجاب والوجوب متلازمان فدلالة السؤال على الايجاب يستلزم دلالته على الوجوب وعدم دلالته على الوجوب يستلزم عدم دلالته على الايجاب ففي إثبات أحدهما ونفي الاخر تدافع وثانيا بأن المقصود دلالة الصيغة على الوجوب لغة فدعوى عدم ثبوته بغير الشرع مما لا وجه له والجواب أما عن الأول فبأن مراد المجيب بالايجاب طلب الفعل مع المنع من الترك بقرينة تفسيره بعد ذلك به و بالوجوب كون الفعل بحيث يستحق فاعله الثواب وتاركه العقاب بقرينة تخصيص ثبوته بالشرع ولا ملازمة بين الايجاب والوجوب بهذين التفسيرين وإنما الملازمة بين الايجاب بمعنى طلب الفعل مع المنع من الترك وبين الوجوب بمعنى كون الفعل مطلوب الحصول ممنوع الترك وكذلك الحال بين الايجاب بمعنى جعل الفعل بحيث يستحق فاعله الثواب وتاركه العقاب وبين الوجوب بمعنى كون الفعل بحيث يستحق فاعله الثواب وتاركه العقاب وأما عن الثاني فبأن المقصود بيان أن الامر للوجوب شرعا بحسب وضعه لغة فإن الامر إذا كان موضوعا لغة لطلب الفعل مع المنع من الترك فإذا صدر عن الشارع دل على وجوب الفعل لترتب الذم والعقاب على مخالفة منع الشارع نعم يرد على المجيب أن تخصيص الوجوب
Page 67