Fusul Gharawiyya
الفصول الغروية في الأصول الفقهية
Publication Year
1404 AH
البراءة وإن أريد به نفي الحكم الوضعي بنفسه فالحق أن العقل لا يستقل بإثباته إلا حيث يعلم العدم كما سنشير إليه في محله إن شاء الله ومن الواضح أن المقام ليس منه نعم ربما يمكن استفادة ذلك من النقل لكن الشأن في بيان وجهه ولا إشارة في كلامه إليه وأما التمسك بقاعدة انسداد باب العلم على حجية الظن المستفاد من الأصل على تقدير إفادته له فغير مرضي لأنه إنما يقتضي حجية الظن في أدلة الاحكام دون نفس الاحكام كما سنحققه في محله وأما جعل التكليف متعلقا بالماهيات الظنية دون الواقعية فواضح السقوط لأنه إن أراد أن التكاليف الواقعية متعلقة بالماهيات الظنية دون الواقعية فظاهر أنه خطأ عند من لا يقول بالتصويب والأدلة التي نقررها على إبطال التصويب من الاجماع وغيره ناهضة على إبطاله وإن أراد أن التكاليف الظاهرية متعلقة بها مع تسليم أن التكاليف الواقعية متعلقة بالماهيات الواقعية ففيه أن قضية ثبوت التكليف بالماهيات الواقعية وجوب تحصيل العلم أو ما علم قيامه مقامه بحصول البراءة منها فلا يتم التمسك بأنه لا دليل أو لا إجماع على ثبوت التكليف بغير المظنون ودعوى أن التكليف بالماهيات الواقعية تكليف بالمحال بمكان من السقوط لان ذلك إنما يلزم إذا كان التكليف بها مطلقا وأما إذا كان مشروطا بعدم تعذر معرفتها ولو بمساعدة طريق معتبر فظهر أن اعتبار الشارع في معرفة الماهيات بطرق ظنية لا يوجب أن يكون التكاليف الواقعية متعلقة بالماهيات الظنية ولا سقوط التكليف بالماهيات الواقعية مطلقا وإن لزم سقوط التكليف بها عند عدم مساعدة الطريق على معرفتها قضاء لحكم الشرطية ودعوى أن الخطابات اللفظية لا تقيد العلم بالمراد مطلقا أو غالبا حتى في حق المشافهين مجازفة بينة يشهد بفسادها الرجوع إلى المحاورات العرفية مع أنه يلزم على الأول أن تكون المسائل الشرعية بأسرها حتى الأصولية منها ظنية وفسادها مما لا يخفى على ذي مسكة السابع عموم قوله عليه السلام في الموثق ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وغير ذلك مما يفيده مفاده كالصحيح رفع عن أمتي تسعة وعد منها ما لا يعلمون ومثله قوله عليه السلام من عمل بما علم كفي ما لم يعلم فإن لفظة ما للعموم فيتناول حكم الجز و الشرط أيضا لا يقال لا نسلم حجب العلم في المقام لقيام الدليل وهو أصل الاشتغال على وجوب الاتيان بالأجزاء والشرائط المشكوكة لأنا نقول المراد حجب العلم بالحكم الواقعي وإلا فلا حجب في الحكم الظاهري وفيه نظر لان ما كان لنا إليه طريق ولو في الظاهر لا يصدق في حقه حجب العلم قطعا وإلا لدلت هذه الرواية على عدم حجية الأدلة الظاهرية كخبر الواحد وشهادة العدلين والاستصحاب وغير ذلك مما يفيد العلم بالظاهر فقط ولو التزم تخصيصها بما دل على حجية تلك الطرق تعين تخصيصها أيضا بما دل على حجية أصالة بقاء الاشتغال من عمومات أدلة الاستصحاب ووجوب مقدمة العلم بل التحقيق عندي أن يتمسك بالروايات المذكورة باعتبار دلالتها على نفي الحكم الوضعي نظرا إلى حجب العلم وانتفائه بالنسبة إلى جزئية الجز المشكوك وشرطية الشرط المشكوك فيكون بمقتضى النص موضوعا ومرفوعا عنا في الظاهر ونكون مكفئين عنه فلا تكلف به لان ما ثبت عدم جزئيته أو عدم شرطيته في الظاهر لا يجب الاتيان به في الظاهر قطعا كما لو قام عليه نص بالخصوص و أصل الاشتغال ووجوب مقدمة العلم لا يثبت الجزئية والشرطية في الظاهر بل مجرد بقاء الاشتغال وعدم البراءة في الظاهر بدونهما و بالجملة فمقتضى عموم هذه الروايات أن ماهية العبادات عبارة عن الأجزاء المعلومة بشرائطها المعلومة فيتبين موارد التكليف ويرتفع عنه الابهام والاجمال وينتفي الاشكال ولو تشبث مانع بضعف عموم الموصولة وادعى أن المتبادر منها بقرينة ظاهر الوضع والرفع إنما هو الحكم التكليفي فقط فأمكن دفعه أولا بأن الوضع والرفع لا اختصاص لهما بالحكم التكليفي فإن المراد رفع فعلية الحكم و وضعها وهو صالح للتعميم إلى القسمين فيكون التخصيص تحكما و ثانيا بأن من الأصول المتداولة المعروفة ما يعبرون عنه بأصالة العدم وعدم الدليل دليل العدم فيستعملونه في نفي الحكم التكليفي والوضعي ونحن قد تصفحنا فلم يجد لهذا الأصل مستندا يمكن التمسك به غير عموم هذه الأخبار فيتعين تعميمها إلى الحكم الوضعي ولو بمساعدة إفهامهم وحينئذ فيتناول الجزئية والشرطية المبحوث عنهما في المقام ولك أن تقول بأن ضعف شمول الرواية للمقام منجبرة بالشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا على ما حكاه الفاضل المعاصر وربما يظهر أيضا بالتفحص في مصنفاتهم والتتبع في مطاوي كلماتهم نعم ينبغي تخصيصه بالموارد التي تعتضد فيها بالامارات الموجبة للظن بمقتضاه وكان كلام الأصحاب ناظر إليه لأنا نراهم قد يتمسكون بأصل الاشتغال والاحتياط أيضا والتنزيل على ذلك طريق جمع بينهما وربما يؤكد ذلك أن مرجعه حينئذ إلى حصول الظن بوضع اللفظ وقد جرى طريقتهم على الاعتداد به غالبا في إثبات اللغة وقد يتوهم أن تمسكهم بالأصل المذكور دليل على مصيرهم إلى القول بأنها موضوعة بإزاء الأعم وليس بشئ كما عرفت مما ذكرناه هذا ولنا في المقام كلام آخر يأتي بيانه في الأدلة العقلية إن شاء الله واعلم أنه يمكن أيضا أن يستدل على نفي ما شك فيه من الأجزاء والشرائط بالأخبار الواردة في بيان العبادات فعلا أو تقريرا فإن مظاهر الاقتصار يقتضي الانحصار كالاخبار المشتملة على ذكر الوضوء البياني وكقوله الوضوء غسلتان ومسحتان وكصحيحة حماد المشتملة على بيان الصلاة إلا أنها مسوقة لبيان الأجزاء دون الشرائط وكحديثي حصر نواقضها في خمسة واردة إلا أن ظاهرهما الحصر بالنسبة إلى ما يطرأ في أثناء الصلاة إلى غير ذلك لكن ذلك لا يجدي عند التعارض والشك في الدلالة وأما ما يقال من أن السبيل في بيان الماهية منحصر في الاجماع ويوجه مواضع الخلاف بأن المخالف إذا سلم أن دليله لو كان باطلا لكانت الماهية على حسب ما يقتضيه دليل الخصم وإن لم يصرح بذلك كفي ذلك في كون الماهية إجماعية إذا ظهر للخصم بطلان دليله ففيه أن تسليم المخالف ذلك مما لا يحصل العلم به في كل مقام إذ يحتمل أن يكون عنده دليل آخر يساعد على صحة الخصم أو يكون عنده دليل آخر كذلك يوجب المصير إلى قول
Page 51