Fusul Gharawiyya
الفصول الغروية في الأصول الفقهية
Publication Year
1404 AH
بأصالة التأخر لانتقاضه بيقين سبق الاستعمال في الجملة تحقيقا للغلبة فلا يترتب الثمرة أقول يقين السبق المحصل للغلبة لا ينافي ترتب الثمرة بل يحققها إلا أن يكون المراد ترتبها من حيث الوضع لكن يهون معه أثر المنع وأيضا إنما يرفع اليقين الاجمالي حكم الأصل على تقدير تسليمه إذا أدى إلى عدم حصول الظن به حيث يكون التعويل عليه من حيث إفادته كما في المقام وهو ممنوع ولا ثمرة بين القول بالنفي مع إثبات النقل في زمانه صلى الله عليه وآله وبين القول بالاثبات تعيينا أو تعينا على تقدير العلم بالتأخر وكذا مع عدمه إن عملنا أصل التأخر وإلا فالثمرة ظاهرة بين القول بثبوتها بالوضع التعييني وبين القولين الآخرين إذ الغالب تأخر الاستعمال عن زمن النقل التعييني ولا ثمرة بينهما ومما قررنا يتضح الحال في الثمرة بين المذهب المختار وبين سائر الأقوال ثم أقول ولقائل أن يرفع الثمرة ويلتزم بحمل هذه الألفاظ حيثما وردت في كلام الشارع مجردة عن القرينة على معانيها الشرعية وإن لم يثبت نقلها ويستند في ذلك إلى أمور الأول أن الغالب المتداول استعمال الشارع لها في معانيها الشرعية لمسيس الحاجة إليه دون معانيها اللغوية فحيثما وردت في كلامه تعين حملها على المعنى الشرعي إلحاقا لها بالأعم الأغلب لكن هذا لا يطرد في جميع الألفاظ الثاني أن هذه الألفاظ قد اشتهرت في عرف الشارع في معانيها الشرعية كما مر فحيث لا يعلم تقدم استعمالها على زمن الاشتهار كما هو الغالب فقضية الأصل تأخره ومعه يتعين حملها على معانيها الشرعية وإن لم يثبت النقل تقديما للمجاز المشهور وهذا أيضا لا يطرد الثالث أن الشارع قد استعمل هذه الألفاظ في معانيها الشرعية أضعاف ما نقل إلينا قطعا لما مر واستعماله إياها في غير معانيها الشرعية زائدا على القدر المعلوم غير ثابت فحيثما نجد استعماله إياها من دون قرينة يتعين حملها على القسم الأول لأنه المتيقن صدوره عنه دون القسم الثاني للشك في صدوره عنه والأصل عدمه فإن استشكل هذا بأنه لا ريب في أن الشارع قد استعمل ألفاظ كثيرة في معانيها اللغوية فينتقض الأصل بهذا اليقين الاجمالي فالجواب عنه ما مر فصل اختلفوا في أن ألفاظ العبادات هل هي أسام للصحيحة أو الأعم منها والفاسد وهذا النزاع إنما يتفرع على القول بأن هذه الألفاظ موضوعة بإزاء معانيها الشرعية سواء قيل بالتعيين أو بالتعين في زمان الشارع أو غيره وأما على ما عزي إلى الباقلاني من أنها باقية على معانيها اللغوية كما مر فإن أراد بقاءها على تلك المعاني إلى زماننا هذا فالنزاع لا يتوجه إليه ووجهه ظاهر ومن محققي المتأخرين من فرع النزاع على القول بأن هذه الألفاظ مستعملة عند الشارع في معانيها الشرعية سواء كان بالنقل أو لا ووافقه فيه بعض المعاصرين وفيه نظر إذ لا ريب في أن الشارع قد استعمل هذه الألفاظ كلا أو بعضا في غير الصحيحة كما سيأتي فكيف يتأتى لاحد إنكار ذلك نعم ربما يتصور النزاع في أنه هل الأصل استعمال الشارع لها في المعاني الصحيحة على تقدير إرادة معانيها الشرعية أو الأعم منها ومن الفاسدة فلا يتوقف على تقدير ثبوت النقل لكنه بعيد عن التحرير المعروف وقولهم له هي أسام للصحيحة أو الأعم ظاهر أو صريح في أن النزاع فيه بحسب الوضع لا مطلق الاستعمال ودون التأويل فيه خرط القتاد ويساعد على ما ذكرنا ظاهر الأدلة الآتية ثم المراد بألفاظ العبادات ما يكون مداليلها ماهيات مخترعة في الشرع للتقرب بها كالصلاة والزكاة والحج و الصوم دون ما ليس كذلك كالزيارة و العيادة والقرأة والركوع والسجود فإن المدار فيها على أوضاعها اللغوية والعرفية وما ثبت لها في الشرع من شرط فإنما هو شرط لرجحانها ومطلوبيتها لا لحصول ماهياتها ومسمياتها فإن القراءة المباحة أو المرجوحة قراءة حقيقة وكذا الزيارة والعيادة وغير ذلك وهذا ظاهر لا سترة عليه وأما ألفاظ المعاملات فسيأتي تحقيق القول فيها إذا تقرر هذا فالحق ما ذهب إليه الأولون لنا وجوه الأول تبادر المعاني الصحيحة منها وقد مر أنه علامة الحقيقة و صحة سلب الاسم عن غير الصحيحة وعدم تبادر المعنى الأعم منها و قد تقدم أنهما علامة المجاز فتكون حقائق في الصحيحة مجازات في الفاسدة لا يقال إن أريد بالتبادر ما يكون ناشئا عن الاطلاق فبعد تسليمه لا يثبت المقصود وإلا فممنوع وصحة سلب الاسم عن الفاسدة لعلها مبنية على التأويل بتنزيل الفاسدة منزلة أمر مغاير للماهية نظرا إلى عدم ترتب الفائدة المقصودة منها عليها فلا تدل على كونها مجازا فيها لأنا نقول معيار الفرق والتميز في نظائر المقام إنما هو الوجدان ونحن إذا رجعنا وجداننا وجدنا المعاني الصحيحة متبادرة من تلك الألفاظ مع قطع النظر عن إطلاقها و وجدنا صحة سلبها عن الفاسدة من غير ابتناء على التأويل فلا يصغى إلى المنع المورد على المقامين الثاني لا ريب في أن في الشرع ماهيات مخترعة مطلوبة هي ذوات أجزاء وشرائط قد تصدى الشارع لبيانها ببيان أجزائها وشرائطها وأحكامها وحث في المواظبة عليها وظاهر أن هذه ليست إلا العبادات الصحيحة وحيث كان أسهل طرق التفهيم والتفاهم بتأدية الألفاظ مست الحاجة إلى نصب ألفاظ على تلك الماهيات أما بالوضع فقضية الحكمة والعبادة حينئذ أن يكون الوضع بإزاء تلك الماهيات المطلوبة لا الأعم منها لئلا يختل فهم المراد في الموارد التي هي أهم موارد استعمالاتها مع ما فيه من الاقتصار على قدر الحاجة وأما بالتجوز فلا يكون المستعمل فيه في أكثر الموارد كموارد الامر والبيان في ذكر الشرائط والاحكام و نحو ذلك إلا تلك الماهيات لا الأعم منها لعدم تعلق الطلب حقيقة إلا بها وعدم تعلق القصد ببيان غيرها وعدم كون الشرائط والاحكام ثابتة لغيرها وظاهر أن هذه الموارد هي معظم موارد استعمال هذه الألفاظ حتى إنه يندر استعمالها في غيرها فتصير تلك الألفاظ حقائق في تلك الماهيات بالغلبة وهو المطلوب لا يقال يجوز أن يكون قد تجوز بها واستعملها في المعنى الأعم وأطلقها على المعنى الذي أراده من باب إطلاق العام على الخاص لا من حيث الخصوصية لئلا يلزم سبك مجاز من مثله لأنا نقول هذا بعيد فإن الظاهر ممن تجوز بلفظ في معنى اخترعه أنه تجوز به فيه لا في غيره ولا ينبغي التأمل في حجية مثل هذا الظهور في مباحث الألفاظ وكذا الكلام لو قلنا بصيرورتها حقائق بغلبة الاستعمال
Page 46