Fusul Gharawiyya
الفصول الغروية في الأصول الفقهية
Publication Year
1404 AH
الغلط بل لصحة الاستعمال فلا حاجة إلى القيد المذكور ويمكن دفعه بأن اللفظ إذا أطلق وأقيم قرينة على عدم إرادة معناه الحقيقي كما في قولنا أسد يرمي ترددنا بين المعاني التي لم يوضع بإزائها اللفظ مما يوجد بينه وبين المعنى الحقيقي علاقة معتبرة كالشجاع وبين غيره كالأبخر والحساس والحيوان وغير ذلك فإذا لاحظنا تعيين الواضع تعين عندنا إرادة المعنى الأول فصح أن التعيين في المجاز أيضا للدلالة وفيه نظر لان التعيين يكون حينئذ لتعيين المراد لا الدلالة مع أنه قد لا يطرد والأظهر أن يراد بالدلالة الدلالة المعتبرة فيندفع الاشكال واعترض على عكس الحد بالمشترك فإن فهم المعنى منه يتوقف على القرينة وبالحرف فإنه معرف بما لا يدل على معنى في نفسه والجواب أما عن الأول فبأن فهم المعنى أعني ما وضع له اللفظ في المشترك لا يتوقف على القرينة ضرورة أن العالم بالوضع ينتقل بسماعه إلى معناه غاية الامر أن يتوقف تعيين المراد منه على القرينة وهذا على ما زعم مبني على القول بأن الدلالة لا تتوقف على الإرادة وسيأتي تفصيل الكلام فيه وأما عن الثاني فبأن الضمير في قولنا بنفسه راجع إلى اللفظ وفي قولهم في نفسه راجع إلى المعنى وهم أرادوا بهذا القيد أن معنى الحرف ليس ثابتا في نفسه وملحوظا لذاته بل هو آلة لملاحظة حال غيره وهذا المعنى لا ينافي أن يكون الدال نفس الحرف فإنه وإن اشترط في دلالته ذكر متعلقه نظرا إلى قصور معناه وعدم استقلال مفهومه لكنه يدل على المعنى عند ذكر متعلقه بنفسه بخلاف المجاز فإنه لا يدل على المعنى المجازي عند ذكر القرينة بنفسه بل بمعونة القرينة وبالجملة فالقصور ثابت في المقامين إلا أنه في المجاز من حيث اللفظ فصح أنه لا يدل بنفسه وفي الحرف من حيث المعنى فلا ينافي دلالته بنفسه وبهذا يسقط ما التزم به التفتازاني من أن صحة الحد متوقفة على القول بعدم اشتراط ذكر المتعلق في دلالة الحرف هذا والتحقيق في الجواب أن دلالة الحرف على معناه إنما تستدعي تصور معنى متعلقه ولو إجمالا على ما سيأتي تحقيقه وهو مما يحصل في النفس بسماع الحرف مع العلم بالوضع ولا حاجة إلى ذكره في اللفظ فصح أن الحرف يدل على المعنى بنفسه أي من غير حاجة إلى ضميمة وتوقفه على تصور متعلقه ولو إجمالا لا ينافي ذلك لأنه من قبل اللوازم البينة للمدلول فينتقل إليه عند تصور المعنى كما في الانتقال إلى البصر عند الانتقال إلى مدلول العمى بخلاف المجاز فإن مجرد لفظه لا يكفي في الدلالة ثم عندي على الحد إشكال آخر وهو أن المراد بالتعيين فيه إن كان التعيين القصدي لم ينعكس لخروج وضع المنقول بالغلبة منه وإن كان الأعم كما ذكرنا لم يطرد لدخول تعين المجاز المشهور بالشهرة فيه ولا سبيل إلى إخراجه بأن الشهرة قرينة عليه أو بأنه إذا قدر عدمها لم يكن للفظ دلالة عليه لأنا لا نعقل من القرينة إلا ما يوجب تعين المعنى والوضع التعييني أيضا كذلك مع أنه لا فارق بين التعين الناشئ من الشهرة في المنقول وبينه في المجاز المشهور فإدخال أحدهما في الحد يوجب دخول الاخر فيه واختلال الدلالة بتقدير عدمها لا ينافي كونها وضعا كيف والحال في جميع الأوضاع كذلك ومثل قرينة الشهرة ما لو نص المستعمل على إرادته للمعنى المجازي عند إطلاقه اللفظ والنقض به وارد على تقدير تخصيص التعيين بالقصدي أيضا ويمكن دفعه بأن المراد بالدلالة الدلالة المعتبرة كما مر وهي غير ناشئة هناك عن الشهرة أو تنصيص المستعمل فقط وفيه تكلف أو بالتزام عود الضمير في نفسه إلى التعيين دون اللفظ فيخرج التعيين المذكور فإنه لا يقتضي الدلالة المعتبرة بنفسه بل بضميمة الرخصة أو الوضع السابق وبهذا يظهر الفرق بينه وبين المنقول فإنه لا مدخل في دلالته على المعنى المنقول إليه لملاحظة وضعه السابق بل يكفي مجرد تعينه الناشئ من الغلبة وبهذا التوجيه يخرج سائر أنواع المجاز أيضا إذ لا يكفي في دلالتها مجرد تعيينها بل لا بد معه من نصب القرينة ويدخل فيه تعيين الحروف بالتوجيه السابق ويخرج به أيضا تعيين المستعمل اللفظ للدلالة فإنه لا يدل بمجرد تعيينه ذلك ولا حاجة إلى ما تكلفناه سابقا في إخراجه وكذلك يخرج به تعيين الواضع اللفظ للوضع للمعنى فإن مجرد ذلك التعيين لا يكفي في الدلالة ولا يخرج على الوجه السابق إذ يصدق على تعيين الشئ للملزوم أنه تعيين له للازمه المقصود منه أيضا إلا أن يرتكب التكلف المتقدم ومن هنا يظهر أن إرجاع الضمير إلى التعيين أولى من إرجاعه إلى اللفظ كما فعلوه ثم أقول ويمكن تقرير الاشكال بوجه آخر يطرد في جميع أنواع المجاز بحيث لا ينفع فيه التوجيه المذكور وذلك بأن يقال إن أرادوا بالحد أن يدل اللفظ مع قطع النظر عن ذلك التعيين فهو فاسد لان اللفظ الموضوع إذا قطع النظر عن وضعه وجرد عنه لا دلالة له على المعنى إما في الجملة أو مطلقا كما يشار إليه قولهم في تعريف الدلالة الوضعية بأنها فهم المعنى من اللفظ عند العالم بالوضع أي من حيث علمه بالوضع كما هو الظاهر من التعليق وإن أرادوا أن يدل مع قطع النظر عما عدا ذلك التعيين فهو منقوض بمثل المجاز المشهور فإنه لا حاجة في دلالته على معناه المجازي بعد ملاحظة تعيينه المنحل إلى تعيينين تعيين واضع المجاز أو واضع الحقيقة إياه بإزائه المحصل لصحة الاستعمال وتعيين الشهرة المحصل للدلالة إلى ملاحظة أمر آخر فهو أيضا تعيين للدلالة على المعنى بنفسه إذ لم يعتبر فيه أن يكون عن أمر واحد وهذا الاشكال متجه على البيان الأول أيضا ولا يجدي فيه الدفع السابق فالأظهر عندي أن يعرف الوضع بأنه تعيين اللفظ للمعنى على وجه يصحح الاستعمال من غير اعتماد على تعيينه لمعنى آخر فيخرج المجاز بأقسامه لاعتماد صحة الاستعمال فيها على تعيينه لمعنى آخر وكذلك يخرج تعيين اللفظ للوضع أو الاستعمال فإنه لا مدخل له في صحة الاستعمال وكذا تعين الحكاية للمحكي على ما هو المختار فإنه لا يسمى تعيينا وإن أريد به ما يعم غير القصدي يدخل فيه المنقول بالغلبة لان المراد بالتعيين ما يعم التعيين بالقصد و بدونه والأولى أن يراد أو تعينه لظهوره في القصدي وكذلك يدخل الحروف إما على التوجيه السابق أو مطلقا لان
Page 15