Fusul Gharawiyya
الفصول الغروية في الأصول الفقهية
Publication Year
1404 AH
نقول إنما يبحث في العلم عن أجزاء الموضوع وجزئياته من حيث كونهما أجزاء أو جزئيات له ليصح رجوع تلك المباحث إلى البحث عن الموضوع ومن هنا يتبين أن بحث علماء المعاني مثلا عن وضع الأمر والنهي يمايز بحث علماء الأصول عنه من حيث تمايز الموضوعين لان علماء المعاني يبحثون عن الأمر والنهي المطلقين والأصولي إنما يبحث عنهما من حيث كونهما مقيدين وإن أهملوا التصريح بالحيثية تعويلا على الظهور وعلى هذا القياس بحثهم عن أدوات العموم والمفاهيم وما أشبه ذلك فإن المطلق المأخوذ بوصف إطلاقه يغاير المقيد المأخوذ بوصف تقييده وإن كان هناك تمايز باعتبار تمايز حيثية البحث أيضا وبعد اعتبار الحيثية المذكورة فيها يرجع الموضوع في تلك المباحث إلى ما ذكرناه ثم كون الأمور المذكورة جز من الكتاب والسنة إنما يصح إذا جعل الكتاب عبارة عن مجموع الألفاظ المدلول عليها بما بين الدفتين والسنة عبارة عن مجموع الاخبار المنقولة وأما إذا جعل الكتاب عبارة عن القول المنزل للاعجاز والسنة عبارة عن قول المعصوم أو ما قام مقامه كانت تلك الأمور جزئيات له قطعا وأما ما ذكر من أن المطلق جز من المقيد فليس بسديد بل التحقيق أنه نفسه وإن غايره في وصف اعتبار التقييد معه وعدمه نعم لو اعتبر التقيد جز من المقيد كان جز منه كما ذكر هذا وأما بحثهم عن حجية الكتاب وخبر الواحد فهو بحث عن الأدلة لان المراد بها ذات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة فكونها أدلة من أحوالها اللاحقة لها فينبغي أن يبحث عنها أيضا وأما بحثهم عن عدم حجية القياس والاستحسان ونحوهما فيمكن أن يلتزم بأنه استطرادي تتميما للمباحث أو يقال المقصود من نفي كونها أدلة بيان انحصار الأدلة في البواقي فيرجع إلى البحث عن أحوالها أو أن المراد بالأدلة ما يكون دليلا ولو عند البعض أو ما يحتمل عند علماء الاسلام ولو بعضهم أن يكون دليلا فيدخل فيها وفيه تعسف فإن قيل المسائل التي تذكر في الأدلة العقلية هي بنفسها أدلة عقلية فيلزم أن يكون الموضوع من المسائل قلنا الدليل العقلي عبارة عن المفردات العقلية كالاستصحاب وأصل البراءة والمسائل عبارة عن إثبات حجيتها ووجوب العمل بها فلا محذور القول في المبادي اللغوية تقسيم اللفظ الموضوع إما أن يتحد في الاعتبار أو لا وعلى التقديرين إما أن يتحد المعنى الموضوع له أو لا فإن اتحد اللفظ وتعدد المعنى فإن تعدد الوضع فمشترك وإن كانت الأوضاع ابتدائية بأن لم يلاحظ في بعضها مناسبة للاخر ولا عدمها وإلا فإن لوحظ في الثاني مناسبة للأول فمنقول تعييني أو تعيني والثاني مسبوق بالتجوز إن لم يكن النقل من المطلق إلى المقيد أو من العام إلى الخاص وإلا فمرتجل وقد يترك القيد الأخير في حد المشترك فيتناول المرتجل وقد يقتصر فيه على مجرد تعدد الوضع فيتناول المنقول أيضا وهذا أقرب إلى الاعتبار إلا أن المعروف هو الأول وإن لم يتعدد الوضع فالوضع عام و الموضوع له خاص وإن تعدد اللفظ واتحد المعنى وكانت الدلالة من جهة واحدة فالألفاظ مترادفة وإن تعددا فمتباينة وقد يجتمع بعض هذه الأقسام مع البعض ويفرق بالحيثية ثم اللفظ إن لم يقبل نفس تصور معناه الشركة فجزئي وإلا فكلي متواط إن تساوت فيه الافراد وإلا فمشكك والتواطي والتشكيك يعتبران تارة بالقياس إلى صدق المعنى وتحققه وأخرى بالقياس إلى الدلالة وصدق اللفظ ومرجع التشكيك في الأول إلى الاختلاف في الشدة والضعف و يقابله التواطي بالاعتبار الأول ويستند في الثاني تارة إلى الاختلاف السابق لكنه لا يطرد في موارده فإنه لا ينصرف إطلاق السواد والبياض عرفا إلى أشد أفرادها وأخرى إلى غيره كالاختلاف في الأشهرية والأكملية والأوفقية بالإرادة ولو بحسب مقام التخاطب و يقابله التواطي بالاعتبار الثاني فاتضح أن النسبة بين الاعتبارين عموم من وجه والأوفق بمباحث الألفاظ هو الثاني ثم اللفظ إن استعمل فيما وضع له واعتبر من حيث إنه كذلك فحقيقة وإن استعمل في غيره لعلاقة فمجاز والحقيقة تنسب إلى ما ينسب إليه واضعها من حيث إنه واضعها إن لغة فلغوية أو عرفا فعرفية أو خاصة شرعية أو غيرها وإنما اعتبرنا الحيثية واحترازا عما لو وضع المتكلم الفقيه مثلا لفظا في الكلام أو الفقه فإنه بعد الاستعمال لا يعد حقيقة فقهية على الأول ولا كلامية على الثاني لانتفاء الحيثية وإن حصلت النسبة وما يقال من أن الحقيقة تنسب إلى واضعها فضعفه يعرف مما ذكرناه وكذلك المجاز ينسب إلى ما تنسب إليه حقيقته واعلم أن التقسيم إلى الكلي والجزئي إنما يلحق اللفظ باعتبار نفس معناه المطابقي في الذهن بقبول الصدق على كثيرين و عدمه وظاهر أن الوصف به كذلك يقتضي كون المعنى بحيث يمكن ملاحظة العقل إياه بنفسه وهذا إنما يجري في الأسماء التي تستقل بالدلالة على معانيها المطابقية دون الحروف لان مداليلها معان آلية يمتنع ملاحظة العقل إياها بنفسها وإن أمكن ملاحظتها بوجهها فصحة وصفها بالخصوصية والجزئية بهذا الاعتبار كما سيأتي في تقسيم الوضع وغيره لا ينافي ذلك ودون الافعال لاشتمالها على النسبة الاستنادية التي هي معنى حرفي ولهذا يمتنع الحمل عليها و دون الأسماء التي تتضمن معنى الحرف كأسماء الإشارة والضمائر و الموصولات فإن أسماء الإشارة موضوعة للذات المشار إليها وهو معنى ملحوظ في نفسه سواء اعتبر أمرا عاما أو خاصا مع الإشارة الحسية المأخوذة آلة لتعرف حال المشار إليه وكذلك الضمائر موضوعة للغائب أو المخاطب أو المتكلم مع صفة الغيبة أو الخطاب أو التكلم المأخوذة باعتبار كونها آلة لتعرف أحوال موصوفها وكذلك الموصولات تتضمن الإشارة إلى مداليلها المتعينة بصلاتها وهو معنى حرفي
Page 12