118

Fusul Gharawiyya

الفصول الغروية في الأصول الفقهية

Publication Year

1404 AH

المستلزم لفواتها اندفع الأول لكن يكون هذا الدليل على الوجه الثاني والدليل الأول بدليين فلا يتعددان ويمكن دفع الثاني بأن المراد عدم العلم بالنظر إلى ذلك الامر واستدل بعض المعاصرين بما مر سابقا من أن المتبادر من الامر ليس إلا طلب الماهية المطلقة من غير اعتبار مرة ولا تكرار فلا يدل على ثبوت القضاء وهو مبني على تحريره السابق وقد عرفت ما فيه احتج النافون بوجهين الأول لو سقط لسقط قضاء الحج بإتمام فاسده لتعلق الامر به وأنه لا يسقط بالاتفاق والجواب بعد تسليم أن الثاني قضاه بالمعنى الذي سبق أن القضاء ليس للمأتي به بل للذي لم يؤت به وهو الحج الصحيح وأما وجوب إتمام الفاسد فليس للامر بالحج بل لأمر آخر فهو مجز عن الامر الثاني لوقوعه على وجهه ولهذا لا يقضي فاسدا وغير مجز عن الامر الأول إذ لم يأت به على وجهه ولا يذهب عليك أن الدليل المذكور إنما يتجه بالنسبة إلى المقام الثاني إذ الامر بإتمام الحج أمر واقعي لا ظاهري الثاني لو سقط لسقط عن المصلي بظن الطهارة الشرعي إذا انكشف له الخلاف والتالي باطل أما الملازمة فللاتفاق على أنه مأمور حينئذ بالعمل على حسب ظنه وأما بطلان التالي فبالاتفاق وأجيب أولا بالمنع من انتفاء التالي لوقوع الخلاف فيه وهذا المنع ضعيف عندنا وإن بطل مستند الخصم عليه من نقل الاتفاق وثانيا بأن الثاني واجب مستأنف وتسميته قضاء مجاز لأنه مثل الأول ولا يخفى أن هذه الكلمات من الاستدلال وجوابيه إنما يتجه بالنسبة إلى المقام الأول دون الثاني قال التفتازاني في دفع الجواب الأخير وهذا بعيد إذ لم يعهد للامر مثلا فرض غير الأداء والقضاء ولو سلم فيمكن أن يقال بذلك في كل قضاء فلا يوجد قضاء حقيقة قطعا وفيما ذكره أخيرا نظر إذ لمانع أن يمنع إمكان ذلك في كل مقام لقيام الدليل عليه في بعض المواضع قطعا والتحقيق في المقام ما أشرنا إليه من أن الامر بالصلاة هناك أمر ظاهري لا يقتضي العمل بحسبه إلا الأجزاء الظاهري فإذا انكشف الخلاف انكشف عدم حصول الأجزاء والامتثال للامر الواقعي فيترتب عليه أحكامه و تحقيق ذلك أن الأحكام الشرعية سواء كانت تكليفية أو وضعية إنما تتبع متعلقاتها الواقعية لا الاعتقادية علما كان أو ظنا لان الألفاظ التي تعلقت تلك الأحكام بها موضوعة بإزاء المعاني الواقعية على ما يشهد به صريح العرف واللغة وأما العلم أو ما قام مقامه فإنما هو طريق إليها فلا يعتبر إلا من حيث كونه كاشفا عنها موصلا إليها فالمكلف في الفرض المذكور مأمور بالصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية وقد جعل الشارع له مضافا إلى العلم الذي هو طريق عقلي طرقا فإذا عول على بعض تلك الطرق ثم انكشف له فساده من عدم إيصاله إلى الواقع تبين أنه لم يأت بما أمر الشارع به من الصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية فيلزم استدراكها ولو خارج الوقت لصدق الفوات في حقه غاية ما في الباب أن لا يكون إثما به لتحقق العذر في حقه وببيان آخر هناك أمران أمر بالصلاة المقرونة بالطهارة الواقعية مشروطا فعليته أو بقاؤه بعدم العذر المانع و منه أداء الطريق العقلي أو الشرعي كالاستصحاب إلى خلاف الواقع و أمر فعلي بالصلاة المقرونة بالطهارة الظاهرية الثابتة بأحد الطرق الشرعية وإن تخلف عنها الايصال إلى الواقع وهذا الامر ناش من وضع الطريق عند العلم بالامر الأول فإن تطابق الأمران امتثلهما المكلف وعد امتثالهما واحدا لأولهما إلى أمر واحد وإن تعددت الجهة كما مر نظيره في المحرم وإلا امتثل الامر الذي أتى بالفعل على وجهه وبقي في عهدة الاخر وما يتخيل من أن المفهوم من أدلة حجية الاستصحاب أو خبر العدلين أو العدل الواحد على القول به أو غير ذلك كون التكليف على حسب مؤداها لا غير حتى إنه لو عمل بمقتضاها كان ممتثلا بحسب الواقع سواء تبين له الخلاف أو لم يتبين فيجب تأويل ما يقتضي بظاهره أن يكون التكليف على حسب الواقع فليس بشئ بل المفهوم من تلك الأدلة إنما هو مجرد وجوب التعويل عليها كالأدلة الدالة على وجوب التعويل على العلم ولا منافاة بينها وبين ما دل على أن التكليف الواقعي على حسب الواقع وهي ظواهر تلك الخطابات كما يشهد به صحة التصريح بهما من غير أن يكون هناك شوب منافاة وتعارض فإذا لا داعي إلى ارتكاب التأويل في غير ما قام عليه الدليل نعم مقتضى الأصول الأولية وجوب تحصيل العلم بحصول المطلوب ما لم يقم دليل على خلافه وتلك الأدلة قامت على الاكتفاء بغيره و بالجملة فلا سبيل إلى جعل الامتثال للامر الظاهري موجبا للامتثال للامر الواقعي عند اختلاف المورد إذ حصول الامتثال بأمر من غير إتيان بمورده غير معقول نعم يجوز أن يكون مسقطا لبقاء التكليف به عند قيام دليل على السقوط فيقيد به الاطلاق المقتضي لعدم السقوط وأما حكمنا بالامتثال في بعض موارد المقام كما في التلبس بالصلاة قبل دخول الوقت أو في الثوب النجس على تفصيل تقرر في محله فلتعميمنا مورد الحكم الواقعي هناك إلى ما أدى إليه الطريق المعتبر شرعا لدلالة الدليل عليه وذهب الفاضل المعاصر على ما يظهر من كلامه إلى القول بأن موافقة الامر الظاهري يجزي عن الامر الواقعي بمعنى أنه يقتضي سقوطه ما لم يدل دليل على خلافه و احتج عليه بالأصل وبأن الظاهر من الامر الثاني إسقاط الامر الأول بشهادة العرف واللغة ثم قال نعم لو ثبت من الخارج أن كل مبدل إنما يسقط بالبدل ما دام غير متمكن منه فلما ذكر وجه وأنى لك بإثباته بل الظاهر الاسقاط مطلقا فيرجع النزاع إلى إثبات هذه الدعوى لا أن الامر مطلقا يقتضي القضاء أو يفيد سقوطه فتصير المسألة فقهية لا أصولية انتهى أقول لا ريب في أن قضية إطلاق الامر بشئ عدم سقوطه بفعل غيره وإن كان مأمورا به بأمر آخر ودعوى سقوطه به تقييد للامر ولو فسر المأمور به بما يؤدي إليه طريق شرعي كان مجازا وعلى كل من التقديرين لا بد من قيام دليل عليه و ليس في الامر الثاني ما يقتضي ذلك لا عرفا ولا لغة كما عرفت و التمسك بأصالة البراءة وأصل العدم في مثل المقام فاسد من وجهين الأول أن الذي يتجه فيه أصل الاشتغال لا أصل البراءة وأصل بقاء

Page 118