فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العناب بالبرد
فليست العين نرجسا، ولا قطرات الدمع لؤلؤا، ولا حمرة الخدود وردا، ولا أطراف أناملها المخضبة عنابا، ولا أسنانها بردا، لكن هكذا ربط الشاعر الصلة بين هذه المتفرقات ليوحي إلى القارئ بمعنى وصورة لا يوحي بهما التعبير المستقيم «سالت عبراتها على خدها وعضت على أناملها بأسنانها»، فلن يمضي القارئ على اللؤلؤ والنرجس والورد والعناب والبرد، دون أن يتصور لألاءها وعبقها وفتنة جمالها.
ويقول امرؤ القيس في وصف الليل:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه
وأردف أعجازا وناء بكلكل
فانظر إلى هذا البيت الثاني، يريد الشاعر أن يقول إن ليله طويل بطيء ثقيل، فلما رأى لليل وسطا ممتدا استعار له من البعير صلبه وهو يتمطى به، ولما رآه بطيئا ثقيلا مضى في استعارته لأجزاء البعير فجعل له أعجازا، ثم أمعن في تصوير الثقل والبطء فجعل بعيره ينوء بكلكله. وهكذا صور الليل على صورة البعير، حيث جعل له صلبا يتمطى به أولا، ثم عقب على ذلك بذكر العجز، ثم بالكلكل، وهو ما يعتمد عليه البعير إذا برك.
وانظر إلى هذا الشاعر الذي يصف لك كاتبا يحل المشكلات بقلمه، فيجعل الأقلام نبالا، ويجعل الأنامل ريشا لتلك النبال، ثم يجعل من سواد الليل نصولا لها، ويجعل القرطاس أمامه حلبة، وكأنما الأقلام جياد في هذه الحلبة، وما صريرها وهي تكتب إلا صهيل تلك الجياد.
Unknown page