ونحب للقارئ الذي يريد أن يستسيغ الشعر ألا يمر على الكلمات السهلة مر الكرام، ظنا منه أنها مألوفة لا تستحق الوقوف الطويل؛ فالألفاظ السهلة المألوفة في الشعر أشد خطرا من الصعبة الغريبة؛ لأن هذه ستضمن لنفسها بصعوبتها وغرابتها وقفة طويلة متروية متمعنة تفيد القارئ في استخراج مضمونها، أما الكلمات السهلة فالأرجح أن يستصغر القارئ شأنها ولا يختصها إلا بأقل عنايته. ونعيد القول بأننا نحب للقارئ الذي يريد أن يستسيغ الشعر ألا يمر على الكلمات السهلة مرا سريعا، فلا بد له أن يطيل الوقوف عند أسهل الألفاظ كما يطيله عند أصعبها وأغربها؛ لأن زلة صغيرة في فهم لفظة واحدة قد تفسد القصيدة كلها. إن ألفاظ القصيدة الجيدة لها حصانة عجيبة تقيها شر القلق الثائر المتعجل، ولها قداسة عجيبة تحتم أن يدنو منها الداني برفق وعلى مهل. وهاك مثالا أبياتا من الشعر في قصيدة للشاعر الإنجليزي «براوننج» عنوانها «ببا ماضية»،
2 «ببا» هذه فتاة إيطالية صغيرة تشتغل عاملة في مصانع الحرير، ولا تستريح من العام إلا يوما واحدا، وجاء يوم عطلتها، فخرجت إلى مجالي الطبيعة تنتقم لنفسها من حبسة الجدران التي تحرج صدرها، وتطبق على أنفاسها طيلة العام، فتجد كل شيء كما تمنته ازدهارا وإشراقا:
العام من الربيع في ريعانه،
واليوم من الإشراق في إصباحه،
والصبح في ساعته السابعة،
وسفح التل مرصع بلآلئ الندى،
والقبرة في طيرانها سابحة،
والدودة البزاقة على الأرض زاحفة.
الله في سمائه،
وكل ما في الدنيا بخير.
Unknown page