أطلقت العنان لمخيلتي. وجعلني هذا النجاح المبدئي أظن أنني أستطيع أن أفعل أي شيء أعزم عليه. لا بد أن يصير هذا الإنسان مثاليا. لذا استغرقت بضعة أشهر أجمع كل شيء أحتاجه. ودفعني هدفي النهائي وكأنه إعصار. لا الحياة ولا الموت بمقدورهما أن يمنعاني عن المضي قدما، فسأكون أنا صانع جنس جديد من الكائنات الحية.
كرست كل وقتي لعملي، فشحبت وجنتاي من قضاء وقت طويل للغاية بالمعمل، ونحل جسمي من عدم تناول الطعام الكافي، وتسارعت الأفكار في ذهني ليل نهار، ونادرا ما كنت أتوقف عن العمل لأنال قسطا من النوم، وقضيت ليالي طويلة أعمل على ضوء القمر وضوء الشموع، إذ كنت مفعما بالطاقة والحماس.
وكان يفصل معملي، الكائن بالطابق العلوي من شقتي، عن سائر الشقق الأخرى سلالم مائلة طويلة، الأمر الذي كان من حسن حظي؛ فلم أكن أريد البتة أن يعثر أي شخص آخر على عملي. كنت أشعر أن الناس لن يفهموا ما الذي أصنعه ولماذا.
كانت الزجاجات المليئة بالسوائل تنتشر في كل الأرجاء، فكان منظرها سيخيف الزائر. وكانت مقلات الأعين، والآذان، وأعضاء أخرى من جسم الإنسان - كثير منها أخذته من المستشفى المحلي - ملقاة في كل مكان. استخدمت أي أعضاء طالتها يدي، فكان أهم شيء عندي هو صنع هذا الإنسان، بصرف النظر عن أي شيء آخر.
انقضى الشتاء وجاء الربيع ومن بعده الصيف، فأصبحت الرياح دافئة، وأينعت الأزهار. ولم أدرك التغيرات المناخية التي طرأت من حولي، ولم أر أيا منها. كل ما استطعت أن أراه هو عملي وحسب. ما من شيء استطاع أن يحركني من مكاني؛ لا التفكير في أصدقائي وأسرتي، ولا حتى في محبوبتي إليزابيث الجميلة.
أدركت أن أسرتي كانت غاضبة مني لأنني لم أرسل لهم ولا خطابا واحدا منذ أشهر، لكنني كنت أعرف في أعماقي أنهم سوف يسامحونني، فهم يعرفون أنني أحبهم. قلت لنفسي إن وراء كل الاختراعات العظيمة تضحيات عظيمة. تراكمت الخطابات الآتية من أفراد الأسرة في حجرة معيشتي كما هي مغلقة وغير مقروءة.
وانقضى الصيف وجاء الخريف، وتغير العالم خارج نافذة معملي مرة أخرى. لقد مرت علي في لمح البصر المواسم التي كنت أحبها والأوقات التي كنت أترقب مجيئها بشغف. اعترتني حمى متزايدة لازمتني طويلا معظم الليالي، وتلفت أعصابي. وكان الشيء الوحيد الذي مكنني من الاستمرار هو التفكير في النجاح.
قلت لنفسي في إحدى الليالي: «قريبا. قريبا سيحيا هذا الرجل.»
الفصل السادس
نجاح وفشل
Unknown page