Foundations of Jurisprudence - Osama Suleiman
أصول الفقه - أسامة سليمان
Genres
معاني التأويل
للتأويل عند العلماء ثلاثة معان: الأول: صرف الكلمة عن معناها الراجح إلى معناها المرجوح لدليل يقترن بها، ويسمى التأويل المحمود، ومثاله: قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء:٢٤]، والجناح هو: الجارحة المعروفة، وهذا هو المعنى الراجح، والمعنى المرجوح هو: التواضع، فصرفناها إلى المعنى المرجوح لقرينة؛ لأنه يستحيل أن يكون للإنسان جناح.
مثال آخر: (صلى النبي ﷺ على شهداء أحد)، فكلمة (صلى) لها معنى راجح وهو: صلاة الجنازة، ولها معنى مرجوح وهو: الدعاء، فصرفناها إلى المعنى المرجوح لدليل، وهو أن الشهيد لا يصلى عليه.
وأما التأويل المذموم فهو: أن تصرف الكلمة من معناها الراجح إلى معناها المرجوح دون دليل، مثاله: قال تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح:١٠]، فالمعنى الراجح أن اليد معلومة معناها عند الجميع، ومعناها المرجوح هو: القدرة، بل إن القدرة من مستلزماتها، وكوننا نقول: إن اليد بمعنى القدرة، وصرف للكلمة عن معناها الراجح إلى معناها المرجوح بدون دليل.
الثاني: بمعنى: التفسير.
وللقاسمي رحمه الله تعالى كتاب اسمه: محاسن التأويل، وكذلك لشيخ المفسرين ابن جرير الطبري كتابًا في التفسير يعتبر أقدم تفسير وأقرب تفسير إلى عصر رسول الله ﷺ؛ لأن ابن جرير الطبري توفى سنة ثلاثمائة وعشرة، يعني: في أوائل القرن الرابع، فهو قريب جدًا من زمن تابعي التابعين والتابعين والصحابة، وقد كان شيخنا الشيخ عبد الرزاق عفيفي يقول: أنا لا أقرأ في التفسير إلا تفسير الطبري، وكان يكتفي به؛ لأن شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره لا يقول: تفسير الآية، وإنما يقول: تأويل الآية، فهو يأول الآية ثم يفسرها رحمه الله تعالى، وعليه فالتأويل بمعنى التفسير.
الثالث: وهو ما يئول إليه حقيقة الكلام، أي: الحقيقة التي يئول إليها الكلام، ولذلك قال الخضر لموسى: ﴿سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾ [الكهف:٧٨]، أي: سأنبئك بحقيقة هذه الأشياء: خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار، فهذه الأمور ظاهرها تدمير وفساد، لكن باطنها كان لها حقيقة لا يعلمها إلا الله تعالى، وأوحى بها إلى الخضر ﵇.
وعليه فالذين قالوا: إن الواو استئنافية لا بد من الوقوف على لفظ الجلالة، ففهموا أن التأويل بالمعنى الثالث، أي: فهم حقيقة الكلام، فلا يعلم حقيقة تأويله إلا الله سبحانه.
والذين قالوا: إن الواو عاطفة فهموا أن التأويل بمعنى التفسير، فعطفوا الراسخين في العلم على لفظ الجلالة، وهذا يسمى عند العلماء بانفكاك الجهة، فحينما يقول الله: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء:٣]، ثم يقول في موضع آخر: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء:١٢٩]، فتجد بعض الناس يقول: إن الإسلام قد حرم التعدد؛ لأنه قال في موضع: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء:٣]، ثم قال في موضع آخر: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء:١٢٩]، فنقول له: أنت لم تفهم الآيات؛ لأن الجهة منفكة، فالعدل في الآية الأول يختلف عن العدل في الآية الثانية، فهو في الآية الأولى بمعنى: العدل في المسكن والملبس والإنفاق، أي: وإن خفتم ألا تعدلوا بين النساء في النفقة وفي السكن فواحدة، وفي الآية الثانية بمعنى: الميل القلبي، أي: ولن تعدلوا بين النساء في الميل القلبي، فربما قد يميل القلب إلى واحدة ولا يميل إلى الأخرى، وحديث: (اللهم إن هذا قسمي فيما أملك)، ضعيف، فقد كان النبي ﷺ يميل أكثر إلى عائشة ﵂، ولذلك استأذن نساءه أن يعالج في حجرتها في مرض موته، وأيضًا قالت سودة بنت زمعة -تزوجها النبي ﷺ بعد خديجة وقبل عائشة - عندما أراد النبي أن يطلقها: ابق علي يا رسول الله وأعط ليلتي لـ عائشة، فخصت عائشة؛ لأنها تعلم أن النبي ﵊ كان يحبها أكثر، ولذا فهذا الميل لا في يدي ولا في يدك ولا في يد أحد من الناس، وإنما هو بيد الله ﷿.
3 / 6