وقد روى المؤرخون أن الناس كثروا على عثمان ونالوا منه أشنع ما نيل من أحد، سنة أربع وثلاثين، وكان أصحاب النبي يرون ويسمعون ثم لا ينهون ولا يذبون، إلا جماعة ضئيلة: زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت. بل كان أصحاب النبي الذين أقاموا بالمدينة يكتبون إلى أصحاب النبي الذين تفرقوا في الثغور يستقدمونهم إلى المدينة لتقويم ما اعوج من أمر الخلافة، يقولون لهم: إنكم خرجتم تطلبون الجهاد وراءكم، فارجعوا إلى المدينة لإقامة الدين وصيانته؛ فقد عرضه السلطان لشر عظيم. واجتمع الناس فتذاكروا الأحداث والخطوب، ولاموا عثمان فأكثروا لومه، ثم كلفوا عليا أن يدخل على عثمان فيكلمه. قال المؤرخون: فدخل علي على عثمان، فقال له: «الناس ورائي وقد كلموني فيك، والله ما أدري ما أقول لك، وما أعرف شيئا تجهله، ولا أدلك على أمر لا تعرفه. إنك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وما خصصنا بأمر دونك. وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ونلت صهره. وما ابن أبي قحافة بأولى بعمل الحق منك، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك. وإنك أقرب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
رحما، ولقد نلت من صهر رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ما لم ينالا ولا سبقاك إلى شيء، فالله الله في نفسك؛ فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل، وإن الطريق لواضح بين، وإن أعلام الدين لقائمة. تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة متروكة. فوالله إن كلا لبين، وإن السنن لقائمة لها أعلام، وإن البدع لقائمة لها أعلام، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة. وإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في جهنم، فيدور في جهنم كما تدور الرحى، ثم يرتطم في غمرة جهنم.» وإني أحذرك الله وأحذرك سطوته ونقماته؛ فإن عذابه شديد أليم. وأحذرك أن تكون إمام هذه الأمة المقتول؛ فإنه يقال: «يقتل في هذه الأمة إمام فيفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويتركهم شيعا، فلا يبصرون الحق لعلو الباطل، يموجون فيها موجا ويمرجون فيها مرجا».»
1
Unknown page