صلى الله عليه وسلم
عن قول الوليد! فقال عثمان: ما عن قول الوليد فعلت هذا، ولكن أرسلت زبيد بن كثير فسمعه يحل دمي. قال علي: زبيد غير ثقة، ثم قام على أمر ابن مسعود حتى حمل إلى منزله.
ولم يقف عثمان عند هذا الحد، ولكنه قطع عطاء ابن مسعود وحظر عليه الخروج من المدينة. وأحب ابن مسعود أن يخرج غازيا في أهل الشام، فأبى عليه عثمان ذلك استجابة لقول مروان: إنه أفسد عليك الكوفة، فلا تدعه يفسد عليك الشام.
وكذلك انتقل ابن مسعود بمعارضته من الكوفة إلى المدينة، وأقام فيها مذيعا لمعارضته هذه عامين أو ثلاثة أعوام، ثم حضرته الوفاة. ويقول الرواة: إن عثمان عاده، ثم يختلفون بعد ذلك؛ فيقول بعضهم: إن عثمان اعتذر لابن مسعود، ولم يفترق الرجلان حتى تراضيا واستغفر كل منهما لصاحبه، ومات ابن مسعود فصلى عليه عثمان. ويقول آخرون: إن ابن مسعود لم يحسن لقاء عثمان حين عاده، وسأله عثمان ما تشكو؟ قال: ذنوبي. قال عثمان: فما تشتهي؟ قال ابن مسعود: رحمة ربي. قال عثمان: أألتمس لك طبيبا؟ قال ابن مسعود: الطبيب أمرضني. قال عثمان: أرد عليك عطاءك. قال ابن مسعود: حبسته عني حين احتجت إليه، وترده إلي حين لا حاجة لي به! قال عثمان: يكون لأهلك. قال ابن مسعود: رزقهم على الله. قال عثمان: فاستغفر لي يا أبا عبد الرحمن. قال ابن مسعود: أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي. قالوا: وخرج عثمان، فأوصى ابن مسعود ألا يصلي عليه. ومات فلم يؤذن أحد عثمان بموته، وإنما صلى عليه عمار بن ياسر ثم دفن. ومر عثمان من الغد بقبر جديد، فسأل عنه فقيل: إنه قبر ابن مسعود، فغضب عثمان وقال: سبقتموني به. قال عمار: فإنه أوصى ألا تصلي عليه. فأسرها عثمان في نفسه، وكانت من أسباب غضبه على عمار.
وظاهر أن هذا الحديث متكلف مصنوع، والأشبه بسيرة ابن مسعود أنه عفا واستغفر لعثمان. وقد كان الذين يألفون ابن مسعود من أصحاب النبي يقولون إنه كان أشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول الله. وابن مسعود كان من أقرأ الناس للقرآن وأعملهم به، وهو من غير شك قد قرأ قول الله عز وجل:
ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور . وهو أحرى أن يكون صبر وغفر وآثر عزم الأمور.
الفصل العشرون
وكان أبو ذر رجلا غفاريا من كنانة، وكان في جاهليته منقطعا عن الناس معتزلا لهم، كأنه كان يتصعلك. وأقبل على مكة ذات يوم وسمع فيها حديث النبي، فألم به وسمع منه وأسلم. ثم لم يطل الإقامة بمكة، وإنما لحق بالنبي في المدينة بعد أن هاجر إليها. فهو من الذين سبقوا إلى الإسلام، ومن الذين أحبهم النبي وأثنى عليهم أحسن الثناء، فكان يقول: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء رجلا أصدق لهجة من أبي ذر.» وكان يقول: «يبعث أبو ذر أمة وحده.» وكان أبو ذر يروي أن النبي أمره أن يترك المدينة إذا بلغ البناء سلعا. فأقام في المدينة أيام أبي بكر وعمر وصدرا من خلافة عثمان، ثم رأى البناء يبلغ سلعا فاستأذن عثمان في أن يهاجر إلى الشام غازيا. ويقال إنه خرج إلى الشام أيام عمر، فكان في الديوان هناك، فكان أبو ذر يقدم حاجا، ويلم بالمدينة، ويستأذن عثمان في أن يجاور قبر النبي وقتا فيأذن له. ونظر ذات يوم فإذا عثمان يعطي مروان بن الحكم مالا كثيرا، ويعطي أخاه الحارث بن الحكم ثلثمائة ألف درهم، ويعطي زيد بن ثابت الأنصاري مائة ألف درهم. فينكر ذلك ويستكثره، ويقول: بشر الكانزين بالنار، ويتلو قول الله عز وجل:
والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم .
وقد شكا مروان بن الحكم إلى عثمان مقالة أبي ذر هذه، فأرسل عثمان إليه مولى له ينهاه. فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك أمر الله! لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي من أن أرضي عثمان بسخط الله. وقد صبر عليه عثمان، ولكن أبا ذر ألح في نقده وعيبه، ودعوته إلى القصد والقناعة. وتبغيضه جمع المال، حتى كان يوما عند عثمان وكعب الأحبار حاضر. فيقول بعض الرواة: إن عثمان سأل: أيحل للإمام أن يقترض من بيت المال، فإذا أيسر رد ما اقترض؟ فقال كعب: لا أرى بذلك بأسا. فغضب أبو ذر وقال لكعب: يابن اليهوديين أتعلمنا ديننا! وغضب عثمان لذلك، فأمر أبا ذر أن يلحق بالشام. ويقول آخرون: إن أبا ذر كان يقول لعثمان: لا ينبغي لمن أدى الزكاة أن يقنع حتى يطعم الجائع ويعطي السائل ويبر الجيران. فقال كعب: من أدى الفريضة فحسبه. فغضب أبو ذر وآذى كعبا بلسانه ويده، فأمره عثمان أن يلحق بمكتبه في الشام.
Unknown page