Fisal Fi Milal

Ibn Hazm d. 456 AH
96

Fisal Fi Milal

الفصل في الملل والأهواء والنحل

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

القاهرة

فَهَذِهِ على كل حَال كذبة بَارِدَة سمجة فَإِن قَالُوا ظنهم نَاسا قُلْنَا هَذَا أكذب لِأَن فِي أول الْخَبَر يخبر أَن الله تجلى لَهُ وَكَيف يسْجد إِبْرَاهِيم ويتعبد لخاطر طَرِيق حاشى لَهُ من هَذَا الضلال وسادسها إخْبَاره أَنهم أكلُوا الْخبز والشوى وَالسمن وَاللَّبن وحاشى لَهُ أَن يكون هَذَا خَبرا عَن الله تَعَالَى لَا وَلَا عَن الْمَلَائِكَة أَيْن هَذَا الْكَذِب الْبَارِد الفاضح الَّذِي يشبه عقول الْيَهُود المصدقين بِهِ من الْحق الْمُنِير الْوَاضِح عَلَيْهِ ضِيَاء الْيَقِين من قَول الله ﷿ فِي هَذِه الْقِصَّة نَفسهَا ﴿وَلَقَد جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام فَمَا لبث أَن جَاءَ بعجل حنيذ فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة قَالُوا لَا تخف إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم لوط﴾ الْآيَات هَيْهَات نور الْحق من ظلمات الْكَذِب وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين كثيرا وفيهَا أَيْضا وَجه سَابِع لَيْسَ كهذه الْوُجُوه فِي الشناعة وَهُوَ إقرارهم بِأَن إِبْرَاهِيم أطْعم الْمَلَائِكَة اللَّحْم وَاللَّبن وَالسمن مَعًا والربانيون مِنْهُم يحرمُونَ هَذَا الْيَوْم فَأَقل مَا فِيهِ النّسخ على أَن يكون سَلَامَته من أَطَم الدَّوَاهِي والسلامة وَالله مِنْهُم بعيدَة فصل ثمَّ قَالَ مُتَّصِلا بِهَذَا الْفَصْل وَقَالُوا لَهُ أَيْن سارة زَوجتك فَقَالَ هَا هِيَ ذِي فِي الخباء قَالَ سأرجع إِلَيْك مثل هَذَا الْوَقْت من قَابل وَيكون لَهَا ابْن وَسَارة تسمع فِي الخباء وَهُوَ وَرَاءَهَا وَكَانَ إِبْرَاهِيم وَسَارة شيخين قد طَعنا فِي السن وانْتهى لسارة أَن لَا يكون لَهَا عَادَة النِّسَاء فَضَحكت سارة فِي نَفسهَا قائلة أبعد أَن نليت يصير لي ذَا وسيدي شيخ قَالَ الله لإِبْرَاهِيم لماذا ضحِكت سارة قائلة هَل لي أَن أَلد وَأَنا عَجُوز وَهل يخفى عَن الله أَمْرِي فِي هَذَا الْوَقْت إِذْ قَالَ عز من قَائِل يكون لسارة ابْن فجحددت سارة وَقَالَت لم أضْحك لِأَنَّهَا خَافت وَقَالَ السَّيِّد لَيْسَ كَمَا تَقُولِينَ بل قد ضحِكت فَقَامَ الْقَوْم من ثمَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ عَاد الْخَبَر بَين سارة وَإِبْرَاهِيم وَبَين الله ﷿ وَعَاد الحَدِيث الْمَاضِي ثمَّ فِي هَذَا زِيَادَة أَن الله تَعَالَى قَالَ أَن سارة ضحِكت وَقَالَت سارة لم أضْحك فَقَالَ الله بل قد ضحِكت فَهَذِهِ مُرَاجعَة الْخُصُوم وتعارض الْأَكفاء وحاشى لسارة الفاضلة المنبأة من الله ﷿ بالبشارة من أَن تكذب الله ﷿ فِيمَا يَقُول وَتكذب هِيَ فِي ذَلِك فتجحد مَا فعلت فتجمع بَين سوءتين إِحْدَاهمَا كَبِيرَة من الْكَبَائِر قد نزه الله ﷿ الصَّالِحين عَنْهَا فَكيف الْأَنْبِيَاء وَالْأُخْرَى أدهى وَأمر وَهِي الَّتِي لَا يَفْعَلهَا مُؤمن وَلَو أَنه أفسق أهل الأَرْض لِأَنَّهَا كفر ونعوذ بِاللَّه من الضلال فصل وَبعد ذَلِك وصف أَن الْملكَيْنِ باتا عِنْد لوط وأكلا عِنْده الْخبز الفطير وَلَو أَن لوطًا سجد لَهما على وَجه الأَرْض وَتعبد لَهما وَقد مضى مثل هَذَا وَأَنه كذب وَأَن الْمَلَائِكَة لَا تَأْكُل فطيرًا وَلَا مختمرًا وَأَن الْأَنْبِيَاء ﵈ لَا يَسْجُدُونَ لغير الله تَعَالَى وَلَا يتعبدون لسواه فصل وَذكر أَن إِبْرَاهِيم ﵇ قَالَ لله ﷿ إِذْ ذكر لَهُ هَلَاك قوم

1 / 104