Fisal Fi Milal
الفصل في الملل والأهواء والنحل
Publisher
مكتبة الخانجي
Publisher Location
القاهرة
وَأمرهمْ مُوسَى بذلك فِي نَص توراتهم أَن لَا يتْركُوا من الْأُمَم السَّبْعَة الَّذين كَانُوا سكانًا فِي فلسطين والأردن أحدا أصلا إِلَّا قَتَلُوهُ ثمَّ أَنه لما اختدعتهم الْأمة الَّتِي يُقَال لَهَا عباوون وَهِي إخدى تِلْكَ الْأُمَم الَّتِي افْترض عَلَيْهِم قَتلهمْ واستئصالهم فتحيلوا عَلَيْهِم وأظهروا لَهُم أَنهم أَتَوْ من بِلَاد بعيدَة حَتَّى عاهدوهم فَلَمَّا عرفُوا بعد ذَلِك أَنهم من السكان فِي الأَرْض الَّتِي أمروا بقتل أَهلهَا حرم الله ﷿ عَلَيْهِم قَتلهمْ على لِسَان يُوشَع النَّبِي بِنَصّ كتاب يُوشَع عِنْدهم فأبقوهم ينقلون المَاء والحطب إِلَى مَكَان التَّقْدِيس وَهَذَا هُوَ النّسخ الَّذِي أَنْكَرُوا بِلَا كلفة وَفِي توراتهم البداء الَّذِي هُوَ أَشد من النّسخ وَذَلِكَ أَن فِيهَا أَن الله تَعَالَى قَالَ لمُوسَى ﵇ سأهلك هَذِه الْأمة وأقدمك على أمة أُخْرَى عَظِيمَة فَلم يزل مُوسَى يرغب إِلَى الله تَعَالَى فِي أَن لَا يفعل ذَلِك حَتَّى أَجَابَهُ أمسك عَنْهُم وَهَذَا هُوَ البداء بِعَيْنِه وَالْكذب المنفيان عَن الله تَعَالَى لِأَنَّهُ ذكر أَن الله تَعَالَى أخبر أَنه سيهلكهم ويقدمه على غَيره ثمَّ لم يفعل فَهَذَا هُوَ الْكَذِب بِعَيْنِه تَعَالَى الله عَنهُ وَفِي سفر اشعيا أَن الله تَعَالَى سيرتب فِي آخر الزَّمَان من الْفرس خدامًا لبيته
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَهَذَا هُوَ النّسخ بِعَيْنِه لِأَن التَّوْرَاة مُوجبَة أَن لَا يخْدم فِي الْبَيْت الْمُقَدّس أحد غير بني لاوي بن يَعْقُوب على حسب مَرَاتِبهمْ فِي الْخدمَة فعلى أَي وَجه أنزلوا هَذَا القَوْل من اشعيا فَهُوَ نسخ لما فِي التَّوْرَاة على كل حَال وَأما فِي الْحَقِيقَة فَهُوَ إنذار بالملة الإسلامية الَّتِي صَار فِيهَا الْفرس وَالْعرب وَسَائِر الْأَجْنَاس فِي الْمَسَاجِد بِبَيْت الْمُقَدّس وَغَيره الَّتِي هِيَ بيُوت الله تَعَالَى
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ﵁ وَأما الطَّائِفَة الَّتِي أجازت النّسخ إِلَّا أَنَّهَا أخْبرت أَنه لم يكن فَإِنَّهُ يُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق بِأَيّ شَيْء علمْتُم صِحَة نبوة مُوسَى ﵇ وَوُجُوب طَاعَته فَلَا سَبِيل إِلَى أَن يَأْتُوا بِشَيْء غير إِعْلَامه وبراهينه وإعلامه الظَّاهِرَة فَيُقَال لَهُم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق إِذا وَجب تَصْدِيق مُوسَى وَالطَّاعَة لأَمره لما ظهر من أحالة الطبائع على مَا بَيناهُ فِي بَاب الْكَلَام فِي بَيَان إِثْبَات النبوات فَلَا فرق بَينه وَبَين من أَتَى بمعجزات غَيرهَا وبإحالة لطبائع أخر وبضرورة الْعقل يعلم كل ذِي حس أَن مَا أوجبه لنَوْع فَإِنَّهُ وَاجِب لأجزائه كلهَا فَإِذا كَانَت إِحَالَة الطبائع مُوجبَة تَصْدِيق من ظَهرت عَلَيْهِ فوجوب تَصْدِيق مُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمّد ﷺ وَاجِب وجوبا مستويًا وَلَا فرق بَين شَيْء مِنْهُ بِالضَّرُورَةِ وَيُقَال لَهُم مَا الْفرق بَيْنكُم فِي تصديقكم بعض من ظَهرت عَلَيْهِ المعجزات وتكذبيكم بَعضهم وَبَين من صدق من كَذبْتُمْ وَكذب من صَدقْتُمْ كالمجوس المصدقين بنبوة زرادشت المكذبين بنبوة مُوسَى وَسَائِر أنبيائكم أَو المانوية المصدقة بنبوة عِيسَى وزرادشت المكذبة بنبوة مُوسَى أَو الصابئين المكذبين بنبوة إِبْرَاهِيم ﵇ فَمن دونه المصدقين بنبوة إِدْرِيس وَغَيره وكل هَذِه الْفرق والملل تَقول فِي مُوسَى ﵇ وَفِي سَائِر أنبيائكم أَكثر مِمَّا تَقولُونَ أَنْتُم فِي عِيسَى وَمُحَمّد ﵍ تنطق بذلك تواريخهم وكتبهم وَهِي مَوْجُودَة مَشْهُورَة وَأقرب ذَلِك السامرية الَّذين يُنكرُونَ نبوة كل نَبِي لكم بعد مُوسَى ﵇ وَلَا سَبِيل إِلَى أَن تَأْتُوا على جَمِيع من ذكرنَا
1 / 84