واستمر المويلحي في حديثه قال: فكأن ما يكابده الناس في دار الهموم والأحزان تكفير لتلك الفعلة، وكأن الدنيا لذلك بيمارستان مجرمين
70 ... قال الأستاذ الإمام: وماذا كانت تكون الحياة لو أن كل شيء فيها كان طيبا وكانت خالصة لا يشوبها شوب من الأكدار! إنها تكون في هذه الحالة أشبه بحلبة السباق والمتسابقون واحد ليس معه من يسابقه، وإنها لحكمة بالغة تلك الشدائد والأهوال التي يلاقيها الناس في الخاسرة، إذ لولاها لما كان للحياة معنى، وكما أنه لولا ضغط الهواء على جسم الإنسان لانصدع وتمزق، كذلك الحال لو يعرى الناس من الشدائد، ويصبحون موفقين في كل ما يعالجون، لا جرم أنهم يصيرون إلى الخرق والطيش والحماقة، وقد يعروهم الخبال والجنون، وحالهم في ذلك تشبه سفينة تسير في خضم عجاج، مغتلم الأمواج دون أن يكون بها صابورة،
71
أو ما يغني غناءها، لا غرو أن يجن جنونها خفة وطيشا ... قال حفني ناصف: وبضدها تتميز الأشياء، فلو لم يكن ثمة ألم وترح، لما طعم بنو الدنيا اللذاذة والفرح:
والحادثات وإن أصابك بؤسها
فهو الذي أنباك كيف نعيمها
على أن للأحزان أثرا صالحا محسا في صقل النفوس وجلاء صدائها، وإشباع العقول ورجحانها، وتهذيب الأخلاق واتزانها، مثلها في ذلك مثل بوتقة الصائغ وكيره، يبقيان على الذهب المحض، وينفيان الخبث والرنق،
72
وألم تر إلى الفحم متى ضغط صار ماسا، وإلى الصفر المجهود كيف يئول ذهبا زلالا بعد إذ كان نحاسا:
73
Unknown page