أباصرنا بعد المودة والقرب والمرس الحبال المبرمة، يقول: إني لا أقطع ما أبرم الله سبحانه من مرس الأرحام، والمراس أيضا الرجل الشديد العقدة الذي لا ينحل ما هو عليه من قوافيه.
وأنا أقول كما قال حاتم:
وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا طلعوا نجدا بما لا يسرني ... طلعت لهم فيما يسرهم نجدا
وإني أكرمك الله أقمن الناس وأبينهم بالجميل لمن عرف الله وحفظ الآباء في الأبناء وإن غاضني عنه أذيهم وفاض إليه تشذرهم، ولتجدني عند فظيع ألفاظهم غير مكافي لهم على شيء من أقوالهم ولا تاركا أبدا لما يجب من برهم، بل مستحصد المسد غير مفصوم عن الأيد.
يقول: أقمن أي أحرى وأولى، وابن بالجميل يعني ألزم وأشد مواظبة عليه، وفي ذلك يقول الشاعر:
ابن الدار حتى كاد الأمر تم ... إذا تنادوا بالرحيل
يريد لزم.
وأما الأذي فهو ماء البخار، قال الشاعر يصف السفيه:
رفع من حلاله الداري ... نزل واستنزله الأذي
وإنما أراد بقوله: أذيهم أي منفعتهم أنها غاضت عنه، ومعنى غاضته ذهبت أقامها مقام الماء، قال الله عز وجل: {وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي}[هود:44]، ومعنى وفاض إليه تشذرهم يقول: أذاهم وفحشهم، ومعنى قوله مستحصد المسد يريد الحبل الذي بيني وبينهم قوي لست أنقضه، ومعنى غير مفصوم يقول: غير مقطوع العرى يعني الحبل الذي بينه وبينهم بل مستوثق والمفصوم فهو المنفك، قال الله عز وجل: {فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}[البقرة:256]، والأيد فهو القوة، قال عز وجل: {والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون}[الذاريات:47].
Page 193