Fiqh Trends Among Hadith Scholars in the Third Century AH

Abdel Meguid Mahmoud d. 1443 AH
73

Fiqh Trends Among Hadith Scholars in the Third Century AH

الاتجاهات الفقهية عند أصحاب الحديث في القرن الثالث الهجري

Publisher

مكتبة الخانجي

Publisher Location

مصر.

Genres

ولكننا نلاحظ أن هذه المذاهب أخذت تتلاقى بمقدار ما بدأت تتباعد: تتلاقى في مناهجها، وتتقارب في أدلتها نتيجة لعامل التأثير وإذعانًا لما تنتهي إليه المناظرات من التسليم بحقائق، ومن التنبه إلى ثغرات، إذ لم تكن المناظرات حينئذٍ مقصودًا بها الغلبة والصدارة، بل كان الوصول إلى الحقيقة غايتها. فإذا عيب على أهل الرأي أنهم لا يشتغلون برواية الحديث فقد نفعهم هذا النقد، وحاولوا أن يسدوا هذه الثغرة، فاشتغلوا برواية الحديث على يد أبي يوسف ومحمد بن الحسن. وإذا عيب على أهل المدينة أنهم لا يعطون العقل حريته في التصور وفرض الفروض، فقد سلموا عمليًا بذلك وامتلأت كتبهم من بعد بِالفُرُوعِ المُقَدَّرَةِ وَالفُرُوضِ المُمْكِنَةِ، سواء في ذلك الفقه المالكي والفقه الشافعي، وَ«اتَّخَذُوا ثَلَاثَةَ مَوْضُوعَاتٍ أَسَاسًا لِمِئَاتٍ مِنَ المَسَائِلِ التِي كَدُّوا أَذْهَانَهُمْ فِي إِبْرَازِ الجَوَابِ عَنْهَا: وَهِيَ الرَّقِيقُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالزَّوْجَةُ وَطَلَاقُهَا، وَالأَيْمَانُ وَالحِنْثُ فِيهَا» (١). غير أن هذه المذاهب المتلاقية شرعت تتباعد برجالها، وتتجافى بالقائمين عليها، والمنتسبين إليها، ببدء شيوع فكرة التقليد للمذهب، والتعصب لرجاله والمناظرات التي اتخذت قاعدتها أن تعرف الحق بالرجال، لا أن تعرف الرجال بالحق، مما جعل التنافس المذهبي يستعر، والتنابز بالألقاب ينتشر كالوباء الباسط جناحيه على أفق العالم الإسلامي لا يكاد ينجو منه أحد إلا من عصم اللهُ. أما المشتغلون بالحديث فقد كثر عددهم، وعظم خطرهم، وراجت مدرستهم وأصبحوا قوة لا ينكر أثرها على الخاصة أو العامة، وشهروا على مخالفيهم سلاح التجريح المبهم. مستخدمين ألفاظًا تحمل ظلالًا تدعو إلى النفرة أو التوجس والإنكار، مثل قولهم: فُلَانٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ، أَوْ تَحَامُوا

(١) " تاريخ التشريع الإسلامي " للخضري: ص ٣٧٧.

1 / 76