Fiqh of Worship According to the Maliki School
فقه العبادات على المذهب المالكي
Publisher
مطبعة الإنشاء
Edition Number
الأولى ١٤٠٦ هـ
Publication Year
١٩٨٦ م
Publisher Location
دمشق - سوريا.
Genres
٣- أن يرتفع بها الحرج، لقوله تعالى: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ (١) .
وهكذا نرى أن مالكًا ﵁ قد بلغ من علم السنة الذروة، ومن الفقه درجة صار فيها فقيه الحجاز الأوحد، حتى إن حماد بن زيد كان يقول لرجل جاءه في مسألة اختلف فيها الناس: "يا ⦗١٧⦘ أخي إن أردت السلامة لدينك فسل عالم المدينة وأصغِ إلى قوله فإنه حجة بين الناس".
وقد نال مالك ﵁ من ثناء العلماء حظًا وافرًا، فقال في حقه الإمام أبو حنيفة ﵁: "ما رأيت أسرع منه بجواب ونقد تام".
وشهد له بالفضل أبو يوسف فكان يقول فيه: "ما رأيت أعلم من ثلاثة: مالك وابن أبي ليلى وأبي حنيفة" إذ كان الأخيران شيخيه فوضع مالك في مرتبتهما.
وقال في شأنه تلميذه الإِمام الشافعي ﵁: "مالك حجة اللَّه على خلقه بعد التابعين، ومالك أستاذي، وعنه أخذت العلم، ومالك معلمي، وما أحد أمنّ عليّ من مالك، وجعلته حجة فيما بيني وبين اللَّه".
وقال فيه أيضًا: "إذا ذكر العلماء فمالك النجم"، وكذلك قال فيه: "إذا جاءك الحديث عن مالك فشد يدك عليه"
وقال الإِمام أحمد بن حنبل فيه: "مالك سيد من سادات أهل العلم، وهو إمام في الحديث والفقه، ومن مثل مالك؟ متبع لآثار من مضى، مع عقل وأدب".
وقد تأول التابعون وتابعو التابعين في الإِمام مالك ﵁ بأنه العالم الذي بشر به رسول اللَّه ﷺ في الحديث الشريف: (يوشك أن يضرب الناس أكباد الإِبل يطلبون العلم، فلا يجدون أحدًا أعلم من عالم المدينة) (٢) .
وأخرج ابن عبد البر وغيره عن مصعب بن عبد اللَّه الزبيري عن أبيه قال:
"كنت جالسًا بمسجد رسول اللَّه ﷺ مع مالك، فجاء رجل فقال: أيكم أبو عبد اللَّه مالك؟ فقالوا: هذا؛ فجاء فسلم عليه واعتنقه وقبله بين عينيه وضمه إلى صدره وقال: واللَّه لقد رأيت البارحة رسول اللَّه ﷺ جالسًا في هذا الموضع فقال: هاتوا مالكًا، فأتي بك ترعد فرائصك، فقال: ليس عليك بأس يا أبا عبد اللَّه وكناك وقال: اجلس فجلست، فقال: افتح حجرك ففتحت فملأه مسكًا منثورًا وقال: ضمه إليك وبثه في أمتي، فبكى مالك طويلًا وقال: الرؤيا تسر ولا تغر، وإن صدقت رؤياك فهو العلم الذي أودعني اللَّه".
لذلك لا نعجب، إذا علمنا أن الناس كان يشدون الرحال إليه، من جميع البلاد الإِسلامية، ويزدحمون على بابه طلبًا للعلم.
وشهدت القرون بفضله ومكانته وبأن فقهه يجمل عناصر العالمية والتقدم؛ ففي المغرب مثلًا ⦗١٨⦘ كانت حياته وما فيها من ملامح قوية موضع الأسوة والقدوة فدرسوها في مدارسهم صغارًا وكانت المثل الأعلى لهم كبارًا. وبفقهه ساس المغرب خلفاؤه وحكم قضاته، وبهديه دعا مرشدوه، فكان مالك ﵁ للمغرب المظهر الكامل للإِسلام عروبة ودينًا.
وقد تهيأت الأسباب ليكون الإمام مالك بهذا القدر من العلم: فمواهبه وصفاته الشخصية، وشيوخه ودراساته، وعصره وبيئته، كل هذا هيأ له أسباب العلم، فاغترف من بحاره. ولنذكر في كل واحد من هذه الأسباب كلمة تكشفه وتجليه:
_________
(١) الحج: ٧٨.
(٢) الترمذي: ج ٥/ كتاب العلم باب ١٨/٢٦٨٠.
1 / 16