120

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الخامسة والعشرون

Publication Year

١٤٢٦ هـ

Publisher Location

دمشق

Genres

ثمة ما يستوجب مبايعته على القتال، مادام أن الإذن به لم يأت بعد، وما دام أن هؤلاء المبايعين سيلتقون بعد عام مرة أخرى برسول الله. لقد كانت البيعة الأولى إذن بيعة مؤقتة، بالنسبة لاقتصارها على تلك البنود فقط، وهي البنود التي بايع عليها النساء فيما بعد. أما البيعة الثانية، فقد كانت الأساس الذي هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة بناء عليه، ولذا فقد كانت شاملة للمبادئ التي ستتم مشروعيتها بعد الهجرة إلى المدينة، وفي مقدمتها الجهاد والدفاع عن الدعوة بالقوة، وهو حكم وإن لم يكن قد أذن الله بشرعيته في مكة ولكن الله ﷿ قد ألهم رسوله ﷺ أن ذلك سيشرع في المستقبل القريب. ومن هنا تعلم أن مشروعية القتال في الإسلام لم تكن إلا بعد هجرته ﷺ على الصحيح، وليس كما قد يفهم من كلام ابن هشام في سيرته أنه إنما شرع قبل الهجرة عند بيعة العقبة الثانية. وليس في بنود تلك البيعة ما قد يدل على مشروعية القتال حينئذ، لأن النبي ﷺ إنما أخذ على أهل المدينة عهد الجهاد نظرا للمستقبل، عندما سيهاجر إليهم ويقيم بينهم في المدينة. والدليل على هذا ما سبق ذكره أن العباس بن عبادة قال بعد البيعة: «والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا»، فقال رسول الله ﷺ: «لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم» . ومن المتفق عليه أن أول آية نزلت في الجهاد ومشروعيته هي قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، وقد روى الترمذي والنسائي وغيرهما عن ابن عباس قال: «لما أخرج النبي ﷺ من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكنّ. قال ابن عباس: فأنزل الله ﷿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ قال أبو بكر ﵁: فعرفت أن سيكون قتال» «٤٢» . أما لماذا تأخرت مشروعية الجهاد بالقوة إلى هذه الفترة فللحكم التالية: ١- من المناسب أن يسبق القتال تعريف بالإسلام، ودعوة إليه وإقامة لحججه، وحل للمشكلات التي قد تقف في سبيل فهمه. ولا ريب أن هذه هي المراحل الأولى في الجهاد. ولذا كان القيام بتحقيقها فرض كفاية يشترك المسلمون في المسؤولية عنها. ٢- اقتضت رحمة الله بعباده أن لا يحمّلهم واجب القتال، إلى أن توجد لهم دار إسلام، تكون لهم بمثابة معقل يأوون إليه، ويلوذون به. ولقد كانت المدينة المنورة أول دار في الإسلام.

(٤٢) النسائي: ٢/ ٥٢ وتفسير ابن كثير: ٣/ ٢٢٤

1 / 125