119

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الخامسة والعشرون

Publication Year

١٤٢٦ هـ

Publisher Location

دمشق

Genres

قال عبادة بن الصامت: «بايعنا رسول الله ﷺ بيعة الحرب، على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم» . وكانت أول آية نزلت في الإذن بالحرب للرسول ﷺ قوله ﵎: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ «٤١» [الحج ٢٢/ ٣٩، ٤٠] . العبر والعظات: هذه البيعة الثانية تتفق في جوهرها مع بيعة العقبة الأولى. فكل منهما إعلان عن الدخول في الإسلام أمام رسول الله، وأخذ للمواثيق والعهود على السمع والطاعة والإخلاص لدين الله، والانصياع لأوامر رسوله. إلا أننا نلحظ فارقين مهمين جديرين بالملاحظة والدرس، بين كل من بيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية. الفارق الأول: أن عدد المبايعين من أهل المدينة في المرة الأولى كان اثنى عشر أما عددهم في البيعة الثانية فقد كان بضعة وسبعين بينهم امرأتان. فقد عاد أولئك الاثنا عشر في السنة الأولى- ومعهم مصعب بن عمير- لا لينطوي كل على نفسه وينعزل في بيته، بلى ليبشر بالإسلام كل من كان حوله من رجال ونساء، يتلو عليهم قرآنه ويبين لهم أحكامه ونظامه. فمن أجل ذلك انتشر الإسلام تلك السنة في المدينة انتشارا عظيما حتى لم يبق دار إلا دخلها الإسلام، وأصبح حديث أهلها في عامة الأوقات عن الإسلام وخصائصه وأحكامه. وتلك هي وظيفة المسلم في كل عهد وفي كل مكان. الفارق الثاني: أن البنود المنصوص عليها في البيعة الأولى، خالية عن الإشارة إلى الجهاد بالقوة، ولكنها في البيعة الثانية تضمنت الإشارة بل التصريح بضرورة الجهاد والدفاع عن رسول الله ﷺ والدعوة إلى دينه بكل وسيلة. وسبب هذا الفارق أن أرباب البيعة الأولى انصرفوا وهم على موعد مع رسول الله ﷺ في المكان ذاته في الموسم التالي، ليعودوا إليه بعدد أوفر من المسلمين ويجددوا العهد والمبايعة، فلم يكن

(٤١) سيرة ابن هشام، ومسند الإمام أحمد، والطبري، والعمدة في كل ذلك على ابن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك.

1 / 124